جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٥
المسألة الأولى : ذكر الله المؤمنين والكافرين ولم يذكر قسماً ثالثاً وهذا يدل على أن مذهب المعتزلة إثبات المنزلتين باطل.
المسألة الثانية : أنه تعالى علل أن استحقاق العقوبة بأن آياته تليت عليهم فاستكبروا عن قبولها، وهذا يدل على استحقاق العقوبة لا يحصل إلا بعد مجيء الشرع، وذلك يدل على أن الواجبات لا تجب إلا بالشرع، خلافاً لما يقوله المعتزلة من أن بعض الواجبات قد يجب بالعقل.
المسألة الثالثة : جواب ﴿أَمَّآ﴾ محذوف والتقدير : وأما الذين كفروا فيقال لهم : أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم عن قبول الحق وكنتم قوماً مجرمين فإن قالوا كيف يحسن وصف الكافر بكونه مجرماً في معرض الطعن فيه والذم له ؟
قلنا معناه أنهم مع كونهم كفاراً ما كانوا عدولاً في أديان أنفسهم، بل كانوا فساقاً في ذلك الدين والله أعلم.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٥
فيه مسائل :
المسألة الأولى : قرىء والساعة رفعاً ونصباً قال الزجاج من نصب عطف على الوعد ومن رفع فعلى معنى وقيل : الساعة لا ريب فيها قال الأخفش الرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب، إذا جاء بعد خبر إن لأنه كلام مستقل بنفسه بعد مجيء الكلام الأول بتمامه.
المسألة الثانية : حكى الله تعالى عن الكفار أنهم إذا قيل إن وعد الله بالثواب والعقاب حق وإن الساعة آتية لا ريب فيها قالوا ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين.
أقول الأغلب على الظن أن القوم كانوا في هذه المسألة على قولين منهم من كان قاطعاً بنفي البعث والقيامة، وهم الذين ذكرهم الله في الآية المتقدمة بقوله ﴿وَقَالُوا مَا هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ (الجاثية : ٢٤) ومنهم من كان شاكاً متحيراً فيه، لأنهم لكثرة ما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلّم، ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحبته صاروا شاكين فيه وهم الذين أرادهم الله بهذه الآية، والذي يدل عليه أنه تعالى حكى مذهب أولئك القاطعين، ثم أتبعه بحكاية قول هؤلاء فوجب كون هؤلاء مغايرين للفريق الأول.
ثم قال تعالى :﴿وَبَدَا لَهُمْ﴾ أي في الآخرة ﴿سَيِّاَاتُ مَا عَمِلُوا ﴾ وقد كانوا من قبل يعدونها حسنات فصار ذلك أول خسرانهم ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِه يَسْتَهْزِءُونَ﴾ وهذا كالدليل على أن هذه الفرقة لما قالوا ﴿إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾ إنما ذكروه على سبيل الاستهزاء والسخرية، وعلى هذا الوجه فهذا الفريق شر من الفريق الأول، لأن الأولين كانوا منكرين وما كانوا مستهزئين، وهذا الفريق ضموا إلى الإصرار على الإنكار الاستهزاء.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٥
ثم قال تعالى :﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَا كُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَاذَا﴾ وفي تفسير هذا النسيان وجهان الأول : نترككم في العذاب كما تركتم الطاعة التي هي الزاد ليوم المعاد الثاني : نجعلكم بمنزلة الشيء المنسي غير المبالى به، كما لم تبالوا أنتم بلقاء يومكم ولم تلتفتوا إليه بل جعلتموه كالشيء الذي يطرح نسياً منسياً، فجمع الله تعالى عليهم من وجوه العذاب الشديد ثلاثة أشياء فأولها : قطع رحمة الله تعالى عنهم بالكلية وثانيها : أنه يصير مأواهم النار وثالثها : الاستغراق في حب الدنيا والإعراض بالكلية عن الآخرة، وهو المراد من قوله تعالى :﴿وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا ﴾.
ثم قال تعالى :﴿فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾ قرأ حمزة والكسائي ﴿يُخْرَجُونَ﴾ بفتح الياء، والباقون بضمها ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ﴾ أي ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم، أي يرضوه، ولما تم الكلام في هذه المباحث الشريفة الروحانية ختم السورة بتحميد الله تعالى/ فقال :﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الارْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي فاحمدوا الله الذي هو خالق السموات والأرض، بل خالق كل العالمين من الأجسام والأرواح والذوات والصفات، فإنت هذه الربوبية توجب الحمد والثناء على كل أحد من المخلوقين والمربوبين.
ثم قال تعالى :﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَآءُ فِى السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ﴾ وهذا مشعر بأمرين أحدهما : أن التكبير لا بد وأن يكون بعد التحميد، والإشارة إلى أن الحامدين إذا حمدوه وجب أن يقرفوا أنه أعلى وأكبر من أن يكون الحمد الذي ذكروه لائقاً بإنعامه، بل هو أكبر من حمد الحامدين، وأياديه أعلى وأجل من شكر الشاكرين والثاني : أن هذا الكبرياء له لا لغيره، لأن واجب الوجود لذاته ليس إلا هو.
ثم قال تعالى :﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ يعني أنه لكمال قدرته يقدر على خلق أي شيء أراد، ولكمال حكمته يخص كل نوع من مخلوقاته بآثار الحكمة والرحمة والفضل والكرم، وقوله ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ يفيد الحصر، فهذا يفيد، أن الكامل في القدرة وفي الحكمة وفي الرحمة ليس إلا هو، وذلك يدل على أنه لا إله للخلق إلا هو، ولا محسن ولا متفضل إلا هو.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٥