إشارة إلى أن ما أتاهم من الفتح والمغانم ليس هو كل الثواب بل الجزاء قدامهم، وإنما هي لعاجلة عجل بها، وفي المغانم الموعود بها أقوال، أصحها أنه وعدهم مغانم كثيرة من غير تعيين وكل ما غنموه كان منها والله كان عالماً بها، وهذا كما يقول الملك الجواد لمن يخدمه : يكون لك مني على ما فعلته الجزاء إن شاء الله، ولا يريد شيئاً بعينه، ثم كل ما يأتي به ويؤتيه يكون داخلاً تحت ذلك الوعد، غير أن الملك لا يعلم تفاصيل ما يصل إليه وقت الوعد، ولله عالم بها، وقوله تعالى :﴿وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنكُمْ﴾ لإتمام المنة، كأنه قال رزقتكم غنيمة باردة من غير مس حر القتال ولو تعبتم فيه لقلتم هذا جزاء تعبنا، وقوله تعالى :﴿وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ عطف على مفهوم لأنه لما قال الله تعالى :﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـاذِه ﴾ واللام ينبىء عن النفع كما أن علي ينبىء عن الضر القائل لا علي ولا ليا بمعنى لا ما أتضرر به ولا ما أنتفع به ولا أضر به ولا أنفع، فكذلك قوله ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـاذِه ﴾ لتنفعكم ﴿وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ وفيه معنى لطيف وهو أن المغانم الموعود بها كل ما يأخذه المسلمون فقوله ﴿وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني لينفعكم بها وليجعلها لمن بعدكم آية تدلهم على أن ما وعدهم الله يصل إليهم كما وصل إليكم، أو نقول : معناه لتنفعكم في الظاهر وتنفعكم في الباطن حيث يزداد يقينكم إذا رأيتم صدق الرسول في إخباره عن الغيوب فتجمل أخباركم ويكمل اعتقادكم، وقوله ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ وهو التوكل عليه والتفويض إليه والاعتزاز به.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
قيل غنيمة هوازن، وقيل غنائم فارس والروم وذكر الزمخشري في أخرى ثلاثة أوجه أن تكون منصوبة بفعل مضمرر يفسره ﴿قَدْ أَحَاطَ﴾ و﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا﴾ صفة لأخرى كأنه يقول وغنيمة أخرى غير مقدورة ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ﴾ ثانيها : أن تكون مرفوعة، وخبرها ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ﴾ وحسن جعلها مبتدأ مع كونه نكرة لكونها موصوفة بلم تقدروا وثالثها : الجر بإضمار رب ويحتمل أن يقال منصوبة بالعطف على منصوب وفيه وجهان أحدهما : كأنه تعالى قال :﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـاذِه ﴾ وأخرى ما قدرتم عليها وهذا ضعيف لأن أخرى لم يعجل بها وثانيهما : على مغانم كثيرة تأخذونها، وأخرى أي وعدكم الله أخرى، وحينئذ كأنه قال : وعدكم الله مغانم تأخذونها ومغانم لا تأخذونها أنتم ولا تقدرون عليها، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين وعلى هذا تبين لقول الفرّاء حسن، وذلك لأنه فسر قوله تعالى :﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ﴾ أي حفظها للمؤمنين لا يجري عليها هلاك إلى أن يأخذها المسلمون كإحاطة الحراس بالخزائن.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
وهو يصلح جواباً لمن يقول : كف الأيدي عنهم كان أمراً اتفاقياً، ولو اجتمع عليهم العرب كما عزموا لمنعوهم من فتح خيبر واغتنام غنائمها، فقال ليس كذلك، بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون، والغلبة واقعة للمسلمين، فليس أمرهم أمراً اتفاقياً، بل هو إلهي محكوم به محتوم.
وقوله تعالى :﴿ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا﴾.
قد ذكرنا مراراً أن دفع الضرر عن الشخص إما أن يكون بولي ينفع باللطف، أو بنصير يدفع بالعنف، وليس للذين كفروا شيء من ذلك، وفي قوله تعالى :﴿ثُمَّ﴾ لطيفة وهي أن من يولي دبره يطلب الخلاص من القتل بالالتحاق بما ينجيه، فقال وليس إذا ولوا الأدبار يتخلصون، بل بعد التولي الهلاك لاحق بهم.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥
جواب عن سؤال آخر يقوم مقام الجهاد وهو أن الطوالع لها تأثيرات، والاتصالات لها تغيرات، فقال ليس كذلك (بل) سنة الله نصرة رسوله، وإهلاك عدوه.
وقوله تعالى :﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا﴾.
بشارة ودفع وهن يقع بسبب وهم، وهو أنه إذا قال الله تعالى ليس هذا بالتأثيرات فلا يجب وقوعه، بل الله فاعل مختار، ولو أراد أن يهلك العباد لأهلكهم، بخلاف قول المنجم بأن الغلب لمن /له طالع وشواهد تقتضي غلبته قطعاً، فقال الله تعالى :﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا﴾ يعني أن الله فاعل مختار يفعل ما يشاء ويقدر على إهلاك أصدقائه، ولكن لا يبدل سنته ولا يغير عادته.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٦٥


الصفحة التالية
Icon