الحجرات : ١) وهو قوله تعالى :﴿عَظِيمَا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِه ﴾ وفي معنى قوله تعالى :﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ على هذا معنى لطيف وهو أنه تعالى إذا قال :(اتقوا) يكون الأمر وارداً ثم إن من الناس من يقبله بتوفيق الله ويلتزمه ومنهم من لا يلتزمه/ ومن التزمه فقد التزمه بإلزام الله إياه فكأنه قال تعالى :﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى ﴾ وفي هذا المعنى رجحان من حيث إن التقوى وإن كان كاملاً ولكنه أقرب إلى الكلمة، وعلى هذا فقوله ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ﴾ معناه أنهم كانوا عند الله أكرم الناس فألزموا تقواه، وذلك لأن قوله تعالى :﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَـاـاكُمْ ﴾ (الحجرات : ١٣) يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون معناه أن من يكون تقواه أكثر يكرمه الله أكثر والثاني : أن يكون معناه أن من سيكون أكرم عند الله وأقرب إليه كان أتقى، كما في قوله "والمخلصون على خطر عظيم" وقوله تعالى :﴿هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾ (المؤمنون : ٥٧) وعلى الوجه الثاني يكون معنى قوله ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا﴾ لأنهم كانوا أعلم بالله لقوله تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَآبِّ وَالانْعَـامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُه ﴾ (فاطر : ٢٨) وقوله ﴿وَأَهْلَهَا ﴾ يحتمل وجهين أحدهما : أنه يفهم من معنى الأحق أنه يثبت رجحاناً على الكافرين إن لم يثبت الأهلية، كما لو اختار الملك اثنين لشغل وكل واحد منهما غير صالح له ولكن أحدهما أبعد عن الاستحقاق فقال في الأقرب إلى الاستحقاق إذا كان ولا بد فهذا أحق، كما يقال الحبس أهون من القتل مع أنه لاهين هناك فقال :﴿وَأَهْلَهَا ﴾ دفعاً لذلك الثاني : وهو أقوى وهو أن يقال قوله تعالى :﴿وَأَهْلَهَا ﴾ فيه وجوه نبينها بعد ما نبين معنى الأحق، فنقول هو يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون الأحق بمعنى الحق لا للتفضيل كما في قوله تعالى :﴿خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ (مريم : ٧٣) إذ لا خير في غيره والثاني : أن يكون للتفضيل وهو يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون /بالنسبة إلى غيرهم أي المؤمنون أحق من الكافرين والثاني : أن يكون بالنسبة إلى كلمة التقوى من كلمة أخرى غير تقوى، تقول زيد أحق بالإكرام منه بالإهانة، كما إذا سأل شخص عن زيد إنه بالطب أعلم أو بالفقه، نقول هو بالفقه أعلم أي من الطب.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٩١
بيان لفساد ما قاله المنافقون بعد إنزال الله السكينة على رسوله وعلى المؤمنين ووقوفهم عند ما أمروا به من عدم الإقبال على القتال وذلك قولهم ما دخلنا المسجد الحرام ولا حلقنا ولا قصرنا حيث كان النبي صلى الله عليه وسلّم رأى في منامه أن المؤمنين يدخلون مكة ويتمون الحج ولم يعين له وقتاً فقص رؤياه على المؤمنين، فقطعوا بأن الأمر كما رأى لنبي صلى الله عليه وسلّم في منامه وظنوا أن الدخول يكون عام الحديبية، والله أعلم أنه لا يكون إلا عام الفتح فلما صالحوا ورجعوا قال المنافقون استهزاء ما دخلنا ولا حلقنا فقال تعالى :﴿لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّءْيَا بِالْحَقِّ ﴾ وتعدية صدق إلى مفعولين يحتمل أن يكون بنفسه، وكونه من الأفعال التي تتعدى إلى المفعولين ككلمة جعل وخلق، ويحتمل أن يقال عدى إلى الرؤيا بحرف تقديره صدق الله رسوله في الرؤيا، وعلى الأول معناه جعلها واقعة بين صدق وعده إذ وقع الموعود به وأتى به، وعلى الثاني معناه ما أراه الله لم يكذب فيه، وعلى هذا فيحتمل أن يكون رأى في منامه أن الله تعالى يقول ستدخلون المسجد الحرام فيكون قوله ﴿صَدَقَ﴾ ظاهراً لأن استعمال الصدق في الكلام ظاهر، ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام رأى أنه يدخل المسجد فيكون قوله ﴿صَدَقَ اللَّهُ﴾ معناه أنه أتى بما يحقق المنام ويدل على كونه صادقاً يقال صدقني سن بكره مثلاً وفيما إذا حقق الأمر الذي يريه من نفسه، مأخوذ من الإبل إذا قيل له هدع سكن فحقق كونه من صغار الإبل، فإن هدع كلمة يسكن بها صغار الإبل وقوله تعالى :﴿بِالْحَقِّ ﴾ قال الزمخشري هو حال أو قسم أو صفة صدق، وعلى كونه حال تقديره صدقه الرؤيا ملتبسة بالحق وعلى تقدير كونه صفة تقديره صدقه صدقاً ملتبساً بالحق وعلى تقدير كونه قسماً، إما أن يكون قسماً بالله فإن الحق من أسمائه، وإما أن يكون قسماً بالحق الذي هو نقيض الباطل هذا ما قاله، ويحتمل أن يقال (إن) فيه وجهين آخرين : أحدهما : أن يقال فيه تقديم /تأخير تقديره : صدق الله رسوله بالحق الرؤيا، أي الرسول الذي هو رسول بالحق وفيه إشارة إلى امتناع الكذب في الرؤيا لأنه لما كان رسولاً بالحق فلا يرى في منامه الباطل والثاني : أن يقال بأن قوله
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٩١


الصفحة التالية
Icon