البحث الخامس : القسم بالحروف وقع في النصفين جميعاً بل في كل سبع وبالأشياء المعدودة لم يوجد إلا في النصف الأخير بل لم يوجد إلا في السبع الأخير غير والصافات، وذلك لأنا بينا أن القسم بالحروف لم ينفك عن ذكر القرآن أو الكتاب أو التنزيل بعده إلا نادراً فقال تعالى :﴿يس * وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ﴾ ولما كان جميع القرآن معجزة مؤداة بالحروف وجد ذلك عاماً في جميع المواضع ولا كذلك القسم بالأشياء المعدودة، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في سورة العنكبوت، ولنذكر ما يختص بقاف قيل إنه اسم جبل محيط بالأرض عليه أطراف السماء وهو ضعيف لوجوه : أحدها : أن القراءة الكثيرة الوقف، ولو كان اسم جبل لما جاز الوقف في الإدراج، لأن من قال ذلك قال بأن الله تعالى أقسم به وثانيها : أنه لو كان كذلك لذكر بحرف القسم كما في قوله تعالى :﴿وَالطُّورِ﴾ وذلك لأن حرف القسم يحذف حيث يكون المقسم به مستحقاً لأن يقسم به، كقولنا الله لأفعلن كذا، واستحقاقه لهذا غني عن الدلالة عليه باللفظ ولا يحسن أن يقال زيد لأفعلن ثالثها : هو أنه لو كان كما ذكر لكان يكتب قاف مع الألف والفاء كما يكتب ﴿عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ (الغاشية : ١٢) ويكتب ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه ﴾ (الزمر : ٣٦) وفي جميع المصاحف يكتب حرف ﴿قا ﴾، رابعها : هو أن الظاهر أن الأمر فيه ك. الأمر في ﴿ا وَالْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ﴾ وهي حروف لا كلمات وكذلك في ﴿قا ﴾ فإن قيل هو منقول عن ابن عباس، نقول المنقول عنه أن قاف اسم جبل، وأما أن المراد في هذا الموضع به ذلك فلا، وقيل إن معناه قضى الأمر، وفي ﴿ ﴾ صدق الله، وقيل هو اسم الفاعل من قفا يقفو وص من صاد من المصاداة، وهي المعارضة، معناه هذا قاف جميع الأشياء بالكشف، ومعناه حينئذ هو قوله تعالى :﴿وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام : ٥٩) إذا قلنا إن الكتاب هناك القرآن. هذا ما قيل في ﴿قا ﴾ وأما القراءة فيه فكثيرة وحصرها بيان معناها، فنقول إن قلنا هي مبنية على ما بينا فحقها الوقف إذ لا عامل فيها فيشبه /بناء الأصوات ويجوز الكسر حذراً من التقاء الساكنين، ويجوز الفتح اختياراً للأخف، فإن قيل كيف جاز اختيار الفتح ههنا، ولم يجز عند التقاء الساكنين إذا كان أحدهما آخر كلمة والآخر أول أخرى كما في قوله تعالى :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١١٩


الصفحة التالية
Icon