﴿خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ (الفرقان : ٥٩) وقال تعالى :﴿خَلَقَ الارْضَ فِى يَوْمَيْنِ﴾ (فصلت : ٩) وقال :﴿خَلَقْتُ بِيَدَىَّ ﴾ (ص : ٧٥) إلى غير ذلك، وما لم يكن ذكره بلفظ الأمر قال تعالى :﴿إِنَّمَآ أَمْرُه ا إِذَآ أَرَادَ شَيْـاًا أَن يَقُولَ لَه كُن فَيَكُونُ﴾ (يس : ٨٢) وقال :﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى﴾ (الإسراء : ٨٥) وقال تعالى :﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالامْرُ ﴾ (الأعراف : ٥٤) والملائكة كالأرواح من عالم الأمر أوجدهم من غير مرور زمان فقوله ﴿وَمَا خَلَقْتُ﴾ إشارة إلى من هو من عالم الخلق فلا يدخل فيه الملائكة، وهو باطل لقوله تعالى :﴿خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ (غافر : ٦٢) فالملك من عالم الخلق.
المسألة الثانية : تقديم الجن على الإنس لأية حكمة ؟
نقول فيه وجوه الأول : بعضها مر في المسألة الأولى الثاني : هو أن العبادة سرية وجهرية، وللسرية فضل على الجهرية لكن عبادة الجن سرية لا يدخلها الرياء العظيم/ وأما عبادة الإنس فيدخلها الرياء فإنه قد يعبد الله لأبناء جنسه، وقد يعبد الله ليستخبر من الجن أو مخافة منهم ولا كذلك الجن.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٨٨
المسألة الثالثة : فعل الله تعالى ليس لغرض وإلا لكان بالغرض مستكملاً وهو في نفسه كامل فكيف يفهم لأمر الله الغرض والعلة ؟
نقول المعتزلة تمسكوا به، وقالوا أفعال الله تعالى لأغراض وبالغوا في الإنكار على منكري ذلك، ونحن نقول فيه وجوه الأول : أن التعليل لفظي ومعنوي، واللفظي ما يطلق الناظر إليه اللفظ عليه وإن لم يكن له في الحقيقة، مثاله إذا خرج ملك من بلاده ودخل بلاد العدو وكان في قلبه أن يتعب عسكر نفسه لا غير، ففي المعنى المقصود ذلك، وفي اللفظ لا يصح ولو قال هو أنا ما سافرت إلا لابتغاء أجر أو لأستفيد حسنة يقال /هذا ليس بشيء ولا يصح عليه، ولو قال قائل في مثل هذه الصورة خرج ليأخذ بلاد العدو وليرهبه لصدق، فالتعليل اللفظي هو جعل المنفعة المعتبرة علة للفعل الذي فيه المنفعة، يقال إتجر للربح، وإن لم يكن في الحقيقة له، إذا عرفت هذا، فنقول الحقائق غير معلومة عند الناس، والمفهوم من النصوص معانيها اللفظية لكن الشيء إذا كان فيه منفعة يصح التعليل بها لفظاً والنزاع في الحقيقة في اللفظ الثاني : هو أن ذلك تقدير كالتمني والترجي في كلام الله تعالى وكأنه يقول العبادة عند الخلق شيء لو كان ذلك من أفعالكم لقلتم إنه لها، كما قلنا في قوله تعالى :﴿لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ﴾ (طه : ٤٤) أي بحيث يصير تذكرة عندكم مرجواً وقوله ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ (الأعراف : ١٢٩) أي يصير إهلاكه عندكم مرجواً تقولون إنه قرب الثاني : هو أن اللام قد تثبت فيما لا يصح غرضاً كما في الوقت قال تعالى :﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ (الإسراء : ٧٨) وقوله تعالى :﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ (الطلاق : ١) والمراد المقارنة، وكذلك في جميع الصور، وحينئذ يكون معناه قرنت الخلق بالعبادة أي بفرض العبادة أي خلقتهم وفرضت عليهم العبادة، والذي يدل على عدم جواز التعليل الحقيقي هو أن الله تعالى مستغن عن المنافع فلا يكون فعله لمنفعة راجعة إليه ولا إلى غيره، لأن الله تعالى قادر على إيصال المنفعة إلى الغير من غير واسطة العمل فيكون توسط ذلك لا ليكون علة، وإذا لزم القول بأن الله تعالى يفعل فعلاً هو لمتوسط لا لعلة لزمهم المسألة، وأما النصوص فأكثر من أن تعد وهي على أنواع، منها ما يدل على أن الإضلال بفعل الله كقوله تعالى :﴿يُضِلُّ مَن يَشَآءُ﴾ (الرعد : ٢٧) وأمثاله ومنها ما يدل على أن الأشياء كلها بخلق الله كقوله تعالى :﴿خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ (الرعد : ١٦) ومنها الصرايح التي تدل على عدم ذلك، كقوله تعالى :﴿لا يُسْـاَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ (الأنبياء : ٢٣) وقوله تعالى :﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ﴾ (إبراهيم : ٢٧) ﴿يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ (المائدة : ١) والاستقصاء مفوض فيه إلى المتكلم الأصولي لا إلى المفسر.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ١٨٨


الصفحة التالية
Icon