المسألة الثالثة : ما وجه تعلق الباء ههنا قلنا قد ظهر من جميع الوجوه، أما إن قلنا بأنه للحفظ فتقديره محفوظ بأعيننا، وإن قلنا للعلم فمعناه بمرأى منا أي بمكان نراك وتقديره فإنك بأعيننا مرئي وحينئذ هو كقول القائل رأيته بعيني كما يقال كتب بالقلم الآلة وإن كان رؤية الله ليست بآلة، فإن قيل فما الفرق في الموضعين حيث قال في طه ﴿عَلَى عَيْنِى ﴾ (طه : ٣٩) وقال ههنا ﴿بِأَعْيُنِنَا ﴾ وما الفرق بين على وبين الباء نقول معنى على هناك هو أنه يرى على ما يرضاه الله تعالى، كما يقول أفعله على عيني أي على رضاي تقديره على وجه يدخل في عيني وألتفت إليه فإن من يفعل شيئاً لغيره ولا يرتضيه لا ينظر فيه ولا يقلب عينه إليه والباء في قوله ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ قد ذكرناها وقوله ﴿حِينَ تَقُومُ﴾ فيه وجوه الأول : تقوم من موضعك والمراد قبل القيام حين ما تعزم على القيام وحين مجيء القيام، وقد ورد في الخبر أن من قال :"سبحان الله" من قبل أن يقوم من مجلسه يكتب ذلك كفارة لما يكون قد صدر منه من اللفظ واللغو في ذلك المجلس الثاني : حين تقوم من النوم، وقد ورد أيضاً فيه خبر يدل على أنه صلى الله عليه وسلّم كان "يسبح بعد الانتباه" الثالث : حين تقوم إلى الصلاة وقد ورد في الخبر أنه صلى الله عليه وسلّم كان يقول في افتتاح الصلاة "سبحانك اللّهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" الرابع : حين تقوم لأمر ما ولا سيما إذا قمت منتصباً لمجاهدة قومك ومعاداتهم والدعاء عليهم ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ وبدل قيامك للمعاداة وانتصابك للانتقام بقيامك لذكر الله وتسبيحه الخامس :﴿حِينَ تَقُومُ﴾ أي بالنهار، فإن الليل محل السكون والنهار محل الإبتغاء وهو بالقيام أولى، ويكون كقوله ﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ إشارة إلى ما بقي من الزمان وكذلك ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ (الطور : ٤٩) وهو أول الصبح.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١
وقوله تعالى :﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾.
وقد تقدم تفسيره وهو كقوله تعالى :﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ (الروم : ١٧) وقد ذكرنا فائدة الاختصاص بهذه الأوقات ومعناه، ونختم هذه السورة بفائدة وهي أنه تعالى قال ههنا ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ وقال في ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ (ق : ٤٠)، ويحتمل أن يقال المعنى واحد والمراد من السجود جمع ساجد وللنجوم سجود قال تعالى :﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ (الرحمن : ٦) وقيل المراد من النجم نجوم السماء وقيل النجم ما لا ساق له من النبات قال الله تعالى :﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ﴾ (النحل : ٤٩) أو المراد من النجوم الوظائف وكل وظيفة نجم في اللغة أي إذا فرغت من وظائف الصلاة فقل سبحان الله، وقد ورد في الحديث :"من قال عقيب الصلاة سبحان الله عشر مرات والحمد لله عشر مرات والله أكبر عشر مرات كتب له ألف حسنة" فيكون المعنى في الموضعين واحد لأن السجود من الوظائف والمشهور والظاهر أن المراد من إدبار النجوم وقت الصبح حيث يدبر النجم ويخفى ويذهب ضياؤه بضوء الشمس، وحينئذ تبين ما ذكرنا من الوجه الخامس في قوله ﴿حِينَ تَقُومُ﴾ (الطور : ٤٨) أن المراد منه النهار لأنه محل القيام ﴿وَمِنَ الَّيْلِ﴾ القدر الذي يكون الإنسان في يقظان فيه ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ وقت الصبح فلا يخرج عن التسبيح إلا وقت النوم، وهذا آخر تفسير هذه السورة والله أعلم، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وسلّم.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١


الصفحة التالية
Icon