والثاني فيه وجوه أحدها : النجم هو نجم السماء التي هي ثابتة فيها للاهتداء وقيل لا بل النجم المنقضة فيها التي هي رجوم للشياطين ثانيها : نجوم الأرض وهي من النبات ما لا ساق له ثالثها : نجوم القرآن ولنذكر مناسبة كل وجه ونبيّن فيه المختار منها، أما على قولنا المراد الثريا فهو أظهر النجوم عند الرائي لأن له علامة لا يلتبس بغيره في السماء ويظهر لكل أحد والنبي صلى الله عليه وسلّم تميز عن الكل بآيات بينات فأقسم به، ولأن الثريا إذا ظهرت من المشرق بالبكر حان إدراك الثمار، وإذا ظهرت بالعشاء أواخر الخريف نقل الأمراض والنبي صلى الله عليه وسلّم لما ظهر قل الشك والأمراض القلبية وأدركت الثمار الحكمية والحلمية، وعلى قولنا المراد هي النجوم التي في السماء للاهتداء نقول النجوم بها الاهتداء في البراري فأقسم الله بها لما بينهما من المشابهة والمناسبة، وعلى قولنا المراد الرجوم من النجوم، فالنجوم تبعد الشياطين عن أهل السماء والأنبياء يبعدون الشياطين عن أهل الأرض/ وعلى قولنا المراد القرآن فهو استدل بمعجزة النبي صلى الله عليه وسلّم على صدقه وبراءته فهو كقوله تعالى :﴿يس * وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (يس : ١ ـ ٤) ما ضللت ولا غويت، وعلى قولنا النجم هو النبات، فنقول النبات به ثبات القوى الجسمانية وصلاحها والقوة العقلية أولى بالإصلاح، وذلك بالرسل وإيضاح السبل، ومن هذا يظهر أن المختار هو النجوم التي هي في السماء لأنها أظهر عند السامع وقوله ﴿إِذَا هَوَى ﴾ أدل عليه، ثم بعد ذلك القرآن أيضاً فيه ظهور ثم الثريا.
المسألة الثالثة : القول في ﴿وَالنَّجْمِ﴾ كالقول في ﴿وَالطُّورِ﴾ حيث لم يقل والنجوم ولا الأطوار، وقال :﴿وَالذَّارِيَـاتِ﴾ وقد تقدم ذكره.
المسألة الرابعة : ما الفائدة في تقييد القسم به بوقت هو به ؟
نقول النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرض لا يهتدي به الساري لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال، فإذا زال تبين بزواله جانب المغرب من المشرق والجنوب من الشمال كذلك النبي صلى الله عليه وسلّم خفض جناحه للمؤمنين وكان على خلق عظيم كما قال تعالى :﴿مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم : ٤) وكما قال تعالى :﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ انفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ (آل عمران : ١٥٩) إن قيل الاهتداء بالنجم إذا كان على أفق المشرق كالاهتداء به إذا كان على أفق المغرب فلم يبق ما ذكرت جواباً عن السؤال، نقول الاهتداء بالنجم وهو مائل إلى المغرب أكثر لأنه يهدي في /الطريقين الدنيوي والديني، أما الدنيوي فلما ذكرنا، وأما الديني فكما قال الخليل ﴿لا أُحِبُّ الافِلِينَ﴾ (الأنعام : ٧٦) وفيه لطيفة، وهي أن الله لما أقسم بالنجم شرفه وعظمه، وكان من المشركين من يعبده فقرن بتعظيمه وصفاً يدل على أنه لم يبلغ درجة العبادة، فإنه هاوٍ آفل.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١


الصفحة التالية
Icon