المسألة الثانية : ما الفائدة في قوله ﴿سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ مع أن جميع الأسماء وضعوها أو بعضها هم وضعوها ولم ينكر عليهم ؟
نقول المسألة مختلف فيها ولا يتم الذم إلا بقوله تعالى :﴿مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ ﴾ وبيانه هو أن الأسماء إن أنزلها الله تعالى فلا كلام فيها، وإن وضعها للتفاهم فينبغي أن لا يكون في ضمن تلك الفائدة مفسدة أعظم منها لكن إيهام النقص في صفات الله تعالى أعظم منها، فالله تعالى ما جوّز وضع الأسماء للحقائق إلا حيث تسلم عن المحرم، فلم يوجد في هذه الأسماء دليل نقلي ولا وجه عقلي، لأن ارتكاب المفسدة العظيمة لأجل المنفعة القليلة لا يجوزه العاقل، فإذاً ﴿مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ ﴾ ووضع الاسم لا يكون إلا بدليل نقلي أو عقلي، وهو أنه يقع خالياً عن وجوه المضار الراجحة.
المسألة الثالثة : كيف قال :﴿سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ﴾ مع أن هذه الأسامي لأصنامهم كانت قبلهم ؟
نقول فيه لطيفة وهي أنهم لو قالوا ما سميناها، وإنما هي موضوعة قبلنا، قيل لهم كل من يطلق هذه الألفاظ فهو كالمبتدىء الواضع/ وذلك لأن الواضع الأول لهذه الأسماء لما لم يكن واضعاً بدليل /عقلي لم يجب اتباعه فمن يطلق اللفظ لأن فلاناً أطلقه لا يصح منه كما لا يصح أن يقول أضلني الأعمى ولو قاله لقيل له بل أنت أضللت نفسك حيث اتبعت من عرفت أنه لا يصلح للاقتداء به.
المسألة الرابعة : الأسماء لا تسمى، وإنما يسمى بها فكيف قال :﴿سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ ؟
نقول عنه جوابان أحدهما : لغوي وهو أن التسمية وضع الاسم فكأنه قال أسماء وضعتموها فاستعمل سميتموها استعمال وضعتموها، ويقال سميته زيداً وسميته يزيد فسميتموها بمعنى سميتم بها وثانيهما : معنوي وهو أنه لو قال أسماء سميتم بها لكان هناك غير الاسم شيء يتعلق به الباء في قوله ﴿بِهَا﴾ لأن قول القائل سميت به يستدعي مفعولاً آخر تقول سميت بزيد ابني أو عبدي أو غير ذلك فيكون قد جعل للأصنام اعتباراً وراء أسمائها، وإذا قال :﴿إِنْ هِىَ إِلا أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ أي وضعتموها في أنفسها لا مسميات لها لم يكن ذلك فإن قيل هذا باطل بقوله تعالى :﴿وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ (آل عمران : ٣٦) حيث لم يقل وإني سميتها بمريم ولم يكن ما ذكرت مقصوداً وإلا لكانت مريم غير ملتفت إليها كما قلت في الأصنام ؟
نقول بينهما بون عظيم وذلك لأن هناك قال :﴿سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ فذكر المفعولين فاعتبر حقيقة مريم بقوله ﴿سَمَّيْتُهَا﴾ واسمها بقوله ﴿مَرْيَمَ﴾ وأما ههنا فقال :﴿إِنْ هِىَ إِلا أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ﴾ أي ما هناك إلا أسماء موضوعة فلم تعتبر الحقيقة ههنا واعتبرت في مريم.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١
المسألة الخامسة :﴿مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـانٍ ﴾ على أي وجه استعملت الباء في قوله ﴿بِهَا مِن سُلْطَـانٍ ﴾ ؟
نقول كما يستعمل القائل ارتحل فلان بأهله ومتاعه، أي ارتحل ومعه الأهل والمتاع كذا ههنا.
ثم قال تعالى :﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الانفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرىء ﴿إِن تَتَّبِعُونَ﴾ بالتاء على الخطاب، وهو ظاهر مناسب لقوله تعالى :﴿أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم﴾ على المغايبة وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون الخطاب معهم لكنه يكون التفاتاً كأنه قطع الكلام معهم، وقال لنبيه : إنهم لا يتبعون إلا الظن، فلا تلتفت إلى قولهم ثانيهما : أن يكون المراد غيرهم وفيه احتمالان أحدهما : أن يكون المراد آباءهم وتقديره هو أنه لما قال :﴿سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ﴾ كأنهم قالوا هذه ليست أسماء وضعناها نحن، وإنما هي كسائر الأسماء تلقيناها ممن قبلنا من آبائنا فقال وسماها آباؤكم وما يتبعون إلا الظن، فإن قيل كان ينبغي أن يكون بصيغة الماضي، نقول وبصيغة المستقبل أيضاً كأنه يفرض الزمان بعد زمان الكلام كما في قوله تعالى :﴿وَكَلْبُهُم بَـاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ﴾ (الكهف : ١٨). ثانيهما : أن يكون المراد عامة الكفار كأنه قال : إن يتبع الكافرون إلا الظن.


الصفحة التالية
Icon