المسألة الرابعة : أولى تدل على أن أول لا ينصرف فكيف يقال أفعله أولاً ويقال جاء زيداً أولاً وعمرو ثانياً فإن قيل جاز فيه الأمران بناء على أولة وأولى فمن قال بأن تأنيث أول أولة فهو كالأربع والأربعة فجاز التنوين، ومن قال أولى لا يجوز، نقول إذا كان كذلك كان الأشهر ترك التنوين لأن الأشهر أن تأنيثه أولى وعليه استعمال القرآن، فإذن الجواب أن عند التأنيث الأولى أن /يقال أولى نظراً إلى المعنى/ وعند العرب أولة لأنه هو الأصل ودل عليه دليل، وإن كان أضعف من الغير وربما يقال بأن منع الصرف من أفعل لا يكون إلا إذا لم يكن تأنيثه إلا فعلى، وأما إذا كان تأنيثه بالتاء أو جاز ذلك فيه لا يكون غير منصرف. ثم قال تعالى :
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١
وقد علم وجه تعلقها بما قبلها في الوجوه المتقدمة في قوله تعالى :﴿فَلِلَّهِ الاخِرَةُ﴾ (النجم : ٢٥) إن قلنا إن معناه أن اللات والعزى وغيرهما ليس لهم من الأمر شيء ﴿فَلِلَّهِ الاخِرَةُ وَالاولَى ﴾ فلا يجوز إشراكهم فيقولون نحن لا نشرك بالله شيئاً، وإنما نقول هؤلاء شفعاؤنا فقال كيف تشفع هذه ومن في السموات لا يملك الشفاعة، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :﴿كَمْ﴾ كلمة تستعمل في المقادير، إما لاستبانتها فتكون استفهامية كقولك كم ذراعاً طوله وكم رجلاً جاءك أي كم عدد الجائين تستبين المقدار وهي مثل كيف لاستبانة الأحوال وأي الاستبانة الأفراد، وما لاستبانة الحقائق، وإما لبيانها على الإجمال فتكون خبرية كقولك كم رجل أكرمني أي كثير منهم أكرموني غير أن عليه أسئلة الأول : لم لم يجز إدخال من على الاستفهامية وجاز على الخبرية الثاني : لم نصب مميز الاستفهامية وجر الذي للخبرية الثالث : هي تستعمل في الخبرية في مقابلة رب فلم جعل اسماً مع أن رب حرف، أما الجواب عن الأول فهو أن من يستعمل في الموضع المتعين بالإضافة تقول خاتم من فضة كما تقول خاتم فضة، ولما لم تضف في الاستفهامية لم يجز استعمال ما يضاهيه وسنبين هذا الجواب، والجواب عن السؤال الثاني هو أن نقول إن الأصل في المميز الإضافة، وعن الثالث هو أن كم يدخل عليه حرف الجر فتقول إلى كم تصبر، وفي كم يوم جئت، وبكم رجل مررت ومن حيث المعنى إن كم إذا قرن بها من وجعل مميزه جمعاً كما في قول القائل كم من رجال خدمتهم ويكون معناه كثير من الرجال خدمتهم ورب وإن كانت للتقليل لكن لا تقوم مقام القليل، فلا يمكن أن يقال في رب إنها عبارة عن قليل كما قلنا في كم إنه عبارة عن كثير.
المسألة الثانية : قال شفاعتهم على عود الضمير إلى المعنى، ولو قال شفاعته لكان العود إلى اللفظ فيجوز أن يقال كم من رجل رأيته، وكم من رجل رأيتهم، فإن قلت هل بينهما فرق معنوي ؟
قلت نعم، وهو أنه تعالى لما قال :﴿لا تُغْنِى شَفَـاعَتُهُمْ﴾ (النجم : ٢٦) يعني شفاعة الكل، ولو قال شفاعته /لكان معناه كثير من الملائكة كل واحد لا تغني شفاعته فربما كان يخطر ببال أحد أن شفاعتهم تغني إذا جمعت، وعلى هذا ففي الكلام أمور كلها تشير إلى عظم الأمر أحدها : كم فإنه للتكثير ثانيها : لفظ الملك فإنه أشرف أجناس المخلوقات ثالثها : في السموات فإنها إشارة إلى علو منزلتهم ودنو مرتبتهم من مقر السعادة رابعها : اجتماعهم على الأمر في قوله ﴿شَفَـاعَتُهُمْ﴾ وكل ذلك لبيان فساد قولهم إن الأصنام يشفعون أي كيف تشفع مع حقارتها وضعفها ودناءة منزلتها فإن الجماد أخس الأجناس والملائكة أشرفها وهم في أعلى السموات ولا تقبل شفاعة الملائكة فكيف تقبل شفاعة الجمادات.
جزء : ٢٨ رقم الصفحة : ٢٣١


الصفحة التالية
Icon