الأولى : فيمن نزلت الآية في حقهم ؟
أكثر المفسرين اتفقوا على أنها نازلة في القدرية روى الواحدي في تفسيره قال : سمعت الشيخ رضي الدين المؤيد الطوسي بنيسابور، قال : سمعت عبد الجبار قال : أخبرنا الواحدي قال : أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله الكعبي، قال : حدثنا حمدان بن صالح الأشج حدثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي داود، حدثنا سفيان الثوري عن زياد بن إسماعيل المخزومي عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلّم في القدر، فأنزل الله تعالى :﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـالٍ وَسُعُرٍ﴾ إلى قوله :﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَدَرٍ﴾ (القمر : ٤٩) وكذلك نقل عن النبي صلى الله عليه وسلّم أن هذه الآية نزلت في القدرية. وروي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"مجوس هذه الأمة القدرية" وهم المجرمون الذين سماهم الله تعالى في قوله :﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـالٍ وَسُعُرٍ﴾ وكثرت الأحاديث في القدرية وفيها مباحث الأول : في معنى القدرية الذين قال النبي صلى الله عليه وسلّم : نزلت الآية فيهم، فنقول : كل فريق في خلق الأعمال يذهب إلى أن القدري خصمه، فالجبري يقول القدري من يقول : الطاعة والمعصية ليستا بخلق الله وقضائه وقدره، فهم قدرية لأنهم ينكرون القدر والمعتزلي يقول : القدري هو الجبري الذي يقول حين يزني ويسرق الله قدرني فهو قدري لإثباته القدر، وهما جميعاً يقولان لأهل السنة الذي يعترف بخلق الله وليس من العبد إنه قدري، والحق أن القدري الذي نزلت فيه الآية هو الذي ينكر القدر ويقول بأن الحوادث كلها حادثة بالكواكب واتصالاتها ويدل عليه قوله جاء مشركو قريش يحاجون رسول الله صلى الله عليه وسلّم / في القدر فإن مذهبهم ذلك، وما كانوا يقولون مثل ما يقول المعتزلة إن الله خلق لي سلامة الأعضاء وقوة الإدراك ومكنني من الطاعة والمعصية، والله قادر على أن يخلق في الطاعة إلجاء والمعصية إلجاء، وقادر على أن يطعم الفقير الذي أطعمه أنا بفضل الله، والمشركون كانوا يقولون :﴿أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَه ﴾ (يس : ٤٧) منكرين لقدرة الله تعالى على الإطعام، وأما قوله صلى الله عليه وسلّم :"مجوس هذه الأمة هم القدرية" فنقول : المراد من هذه الأمة، إما الأمة التي كان محمد صلى الله عليه وسلّم مرسلاً إليهم سواء آمنوا به أو لم يؤمنوا كلفظ القوم، وإما أمته الذين آمنوا به فإن كان المراد الأول فالقدرية في زمانه هم المشركون الذين أنكروا قدرة الله على الحوادث فلا يدخل فيهم المعتزلة، وإن كان المراد هو الثاني فقوله :"مجوس هذه الأمة" يكون معناه الذين نسبتهم إلى هذه الأمة كنسبة المجوس إلى الأمة المتقدمة، لكن الأمة المتقدمة أكثرهم كفرة، والمجوس نوع منهم أضعف شبهة وأشد مخالفة للعقل فكذلك القدرية في هذه الأمة تكون نوعاً منهم أضعف دليلاً ولا يقتضي ذلك الجزم بكونهم في النار فالحق أن القدري هو الذي ينكر قدرة الله تعالى، إن قلنا : إن النسبة للنفي أو الذي يثبت قدرة غير الله تعالى على الحوادث إن قلنا : إن النسبة للإثبات وحينئذ يقطع بكونه :﴿فِى ضَلَـالٍ وَسُعُرٍ﴾ وإنه ذائق مس سقر.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٣٠
البحث الثاني : في بيان من يدخل في القدرية التي في النص ممن هو منتسب إلى أنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم/ إن قلنا : القدرية سموا بهذا الاسم لنفيهم قدرة الله تعالى فالذي يقول لا قدرة لله على تحريك العبد بحركة هي الصلاة وحركة هي الزنا مع أن ذلك أمر ممكن لا يبعد دخوله فيهم، وأما الذي يقول : بأن الله قادر غير أنه لم يجبره وتركه مع داعية العبد كالوالد الذي يجرب الصبي في حمل شيء تركه معه لا لعجز الوالد بل للابتلاء والامتحان، لا كالمفلوج الذي لا قوة له إذا قال لغيره : احمل هذا فلا يدخل فيهم ظاهراً وإن كان مخطئاً، وإن قلنا إن القدرية سموا بهذا الاسم لإثباتهم القدرة على الحوادث لغير الله من الكواكب، والجبري الذي قال : هو الحائط الساقط الذي لا يجوز تكليفه بشيء لصدور الفعل من غيره وهم أهل الإباحة، فلا شك في دخوله في القدرية فإنه يكفر بنفيه التكليف وأما الذي يقول : خلق الله تعالى فينا الأفعال وقدرها وكلفنا، ولا يسأل عما يفعل فما هو منهم.


الصفحة التالية
Icon