جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٦١
المسألة السادسة :﴿الْجَلَـالِ﴾ إشارة إلى كل صفة من باب النفي، كقولنا : الله ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولهذا يقال : جل أن يكون محتاجاً، وجل أن يكون عاجزاً، والتحقيق فيه أن الجلال هو بمعنى العظمة غير أن العظمة أصلها في القوة، والجلال في الفعل، فهو عظيم لا يسعه عقل ضعيف فجل أن يسعه كل فرض معقول :﴿وَالاكْرَامِ﴾ إشارة إلى كل صفة هي من باب الإثبات، كقولنا : حي قادر عالم، وأما السميع والبصير فإنهما من باب الإثبات كذلك عند أهل السنة، وعند المعتزلة من باب النفي، وصفات باب النفي قبل صفات باب الإثبات عندنا، لأنا أولاً نجد الدليل وهو العالم فنقول : العالم محتاج إلى شيء وذلك الشيء ليس مثل العالم فليس بمحدث ولا محتاج، ولا ممكن، ثم نثبت له القدرة والعلم وغيرهما، ومن هنا قال تعالى لعباده :﴿لا إِلَـاهَ إِلا اللَّهُ﴾ (الصافات : ٣٥) وقال صلى الله عليه وسلّم :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" ونفي الإلهية عن غير الله، نفي صفات غير الله عن الله، فإنك إذا قلت : الجسم ليس بإله لزم منه قولك : الله ليس بجسم و(الجلال والإكرام) وصفان مرتبان على أمرين سابقين، فالجلال مرتب على فناء الغير والإكرام على بقائه تعالى/ فيبقى الفرد وقد عز أن يحد أمره بفناء من عداه وما عداه، ويبقى وهو مكرم قادر عالم فيوجد بعد فنائهم من يريد، وقرىء :﴿ذُو الْجَلَـالِ﴾، و﴿ذِى الْجَلَـالِ﴾. وسنذكر ما يتعلق به في تفسير آخر السورة إن شاء الله تعالى.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٦١
٣٦٢
وفيه وجهان أحدهما : أنه حال تقديره : يبقى وجه ربك مسئولاً وهذا منقول معقول، وفيه إشكال وهو أنه يفضي إلى التناقض لأنه لما قال :﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ (الرحمن : ٢٧) كان إشارة إلى بقائه بعد فناء من على الأرض، فكيف يكون في ذلك الوقت مسئولاً لمن في الأرض ؟
فأما إذا قلنا : الضمير عائد إلى (الأمور) الجارية (في يومنا) فلا إشكال في هذا الوجه، وأما على الصحيح فنقول عنه أجوبة أحدها : لما بينا أنه فان نظراً إليه ولا يبقى إلا بإبقاء الله، فيصح أن يكون الله مسئولاً ثانيها : أن يكون مسئولاً معنى لا حقيقة، لأن الكل إذا فنوا ولم يكن وجود إلا بالله، فكأن القوم فرضوا سائلين بلسان الحال ثالثها : أن قوله :﴿وَيَبْقَى ﴾ للاستمرار فيبقى ويعيد من كان في الأرض ويكون مسئولاً والثاني : أنه ابتداء كلام وهو أظهر وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ماذا يسأله السائلون ؟
فنقول : يحتمل وجوهاً أحدها : أنه سؤال استعطاء فيسأله كل أحد الرحمة وما يحتاج إليه في دينه ودنياه ثانيها : أنه سؤال استعلام أي عنده علم الغيب لا يعلمه إلا هو، فكل أحد يسأله عن عاقبة أمره وعما فيه صلاحه وفساده. فإن قيل : ليس كل أحد يعترف بجهله وعلم الله نقول : هذا كلام في حقيقة الأمر من جاهل، فإن كان من جاهل معاند فهو في الوجه الأول أيضاً وارد، فإن من المعاندين من لا يعترف بقدرة الله فلا يسأله شيئاً بلسانه وإن كان يسأله بلسان حاله لإمكانه، والوجه الأول إشارة إلى كمال القدرة أي كل أحد عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه. والوجه الثاني إشارة إلى كمال العلم أي كل أحد جاهل بما عند الله من المعلومات ثالثها : أن ذلك سؤال استخراج، أمر. وقوله :﴿مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ أي من الملائكة يسألونه كل يوم ويقولون : إلهنا ماذا نفعل وبماذا تأمرنا، وهذا يصلح جواباً آخر عن الإشكال على قول من قال : يسأله حال لأنه يقول : قال تعالى :﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ (الرحمن : ٢٦) ومن عليها تكون الأرض مكانه ومعتمده ولولاها لا يعيش وأما من فيها من الملائكة الأرضية فهم فيها وليسوا عليها ولا تضرهم زلزلتها، فعندما يفنى من عليها ويبقى الله تعالى لا يفنى هؤلاء في تلك الحال فيسألونه ويقولون : ماذا نفعل فيأمرهم بما يأمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ثم يقول لهم : عندما يشاء موتوا فيموتوا هذا على قول من قال :﴿يَسْـاَلُه ﴾ حال وعلى الوجه الآخر لا إشكال.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٦٢


الصفحة التالية
Icon