﴿وَالسَّـابِقُونَ الاوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـاجِرِينَ وَالانصَارِ﴾ (التوبة : ١٠٠) فإن أكثرهم لهم الدرجة العليا، لقوله تعالى :﴿لا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ﴾ (الحديد : ١٠) الآية. ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الاخِرِينَ﴾ الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، وعلى هذا فقوله :﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَـاثَةً﴾ (الواقعة : ٧) يكون خطاباً مع الموجودين وقت التنزيل، ولا يكون فيه بيان الأولين الذين كانوا قبل نبينا عليه السلام، وهذا ظاهر فإن الخطاب لا يتعلق إلا بالموجودين من حيث اللفظ، ويدخل فيه غيرهم بالدليل الوجه الثالث :﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الاوَّلِينَ﴾ الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنفسهم ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الاخِرِينَ﴾ الذين قال الله تعالى فيهم :﴿وَاتَّبَعَتْهُمْ﴾ (الطور : ٢١) فالمؤمنون وذرياتهم إن كانوا من أصحاب اليمين فهم في الكثرة سواء، لأن كل صبي مات وأحد أبويه مؤمن فهو من أصحاب اليمين، وأما إن كانوا من المؤمنين السابقين، فقلما يدرك ولدهم درجة السابقين وكثيراً ما يكون ولد المؤمن أحسن حالاً من الأب لتقصير في أبيه ومعصية لم توجد في الابن الصغير وعلى هذا فقوله :﴿ثَمَّ الاخَرِينَ﴾ المراد منه الآخرون التابعون من الصغار.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٩٣
٣٩٤
والموضونة هي المنسوجة القوية اللحمة والسدى، ومنه يقال للدرع المنسوجة : موضونة والوضين هو الحبل العريض الذي يكون منه الحزم لقوة سداه ولحمته، والسرر التي تكون للملوك يكون لها قوائم من شيء صلب ويكون مجلسهم عليها معمولاً بحرير وغير ذلك لأنه أنعم من الخشب وما يشبهه في الصلابة وهذه السرر قوائمها من الجواهر النفيسة، وأرضها من الذهب الممدود، وقوله تعالى :﴿مُّتَّكِـاِينَ عَلَيْهَا﴾ للتأكيد، والمعنى أنهم كائنون على سرر متكئين عليها متقابلين، ففائدة التأكيد هو أن لا يظن أنهم كائنون على سرر متكئين على غيرها كما يكون حال من يكون على كرسي صغير لا يسعه للاتكاء فيوضع تحته شيء آخر للاتكاء عليه، فلما قال : على سرر متكئين عليها دل هذا على أن استقرارهم واتكاءهم جميعاً على سرر، وقوله تعالى :﴿مُتَقَـابِلِينَ﴾ فيه وجهان أحدهما : أن أحداً لا يستدبر أحداً وثانيهما : أن أحداً من السابقين لا يرى غيره فوقه، وهذا أقرب لأن قوله :﴿مُتَقَـابِلِينَ﴾ على الوجه الأول يحتاج إلى أن يقال : متقابلين معناه أن كل أحد يقابل أحداً في زمان واحد، ولا يفهم هذا إلا فيما لا يكون فيه اختلاف جهات، وعلى هذا فيكون معنى الكلام أنهم أرواح ليس لهم أدبار وظهور، فيكون المراد من السابقين هم الذين أجسامهم أرواح نورانية جميع جهاتهم وجه كالنور الذي يقابل كل شيء ولا يستدبر أحداً، والوجه الأول أقرب إلى أوصاف المكانيات.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٩٤
٣٩٦
والولدان جمع الوليد، وهو في الأصل فعيل بمعنى مفعول وهو المولود لكن غلب على الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين، والدليل أنهم قالوا للجارية الصغيرة وليدة، ولو نظروا إلى الأصل لجردوها عن الهاء كالقتيل، إذا ثبت هذا فنقول : في الولدان وجهان أحدهما : أنه على الأصل وهم صغار المؤمنين وهو ضعيف، لأن صغار المؤمنين أخبر الله تعالى عنهم أنه يلحقهم بآبائهم، ومن الناس المؤمنين الصالحين من لا ولد له فلا يجوز أن يخدم ولد المؤمن مؤمناً غيره، فيلزم إما أن يكون لهم اختصاص ببعض الصالحين وأن لا يكون لمن لا يكون له ولد من يطوف عليه من الولدان، وإما أن يكون ولد الآخر يخدم غير أبيه وفيه منقصة بالأب، وعلى هذا الوجه قيل : هم صغار الكفار وهو أقرب من الأول إذ ليس فيه ما ذكرنا من المفسدة والثاني : أنه على الاستعمال الذي لم يلحظ فيه الأصل وهو إرادة الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين وهو حينئذ كقوله تعالى :﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ﴾ (الطور : ٢٤) وفي قوله تعالى :﴿مُّخَلَّدُونَ﴾ وجهان أحدهما : أنه من الخلود والدوام، وعلى هذا الوجه يظهر / وجهان آخران أحدهما : أنهم مخلدون ولا موت لهم ولا فناء وثانيهما : لا يتغيرون عن حالهم ويبقون صغاراً دائماً لا يكبرون ولا يلتحون والوجه الثاني : أنه من الخلدة وهو القرط بمعنى في آذانهم حلق، والأول أظهر وأليق.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٣٩٦
٣٩٧
أواني الخمر تكون في المجالس، وفي الكوب وجهان أحدهما : أنه من جنس الأقداح وهو قدح كبير وثانيهما : من جنس الكيزان ولا عروة له ولا خرطوم والإبريق له عروة وخرطوم، وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon