جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٠٦
المسألة الثالثة : ما معنى المخضود ؟
نقول فيه وجهان أحدهما : مأخوذ الشوك، فإن شوك السدر يستقصف ورقها، ولولاه لكان منتزه العرب، ذلك لأنها تظل لكثرة أوراقها ودخول بعضها في بعض وثانيهما : مخضود أي متعطف إلى أسفل، فإن رؤوس أغصان السدر في الدنيا تميل إلى فوق بخلاف أشجار الثمار، فإن رؤوسهما تتدلى، وحينئذ معناه أنه يخالف سدر الدنيا، فإن لها ثمراً كثيراً.
المسألة الرابعة : ما الطلح ؟
نقول : الظاهر أنه شجر الموز، وبه يتم ما ذكرنا من الفائدة روي أن علياً عليه السلام سمع من يقرأ :﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾ فقال : ما شأن الطلح ؟
إنما هو (وطلع)، واستدل بقوله تعالى :﴿لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾ (ق : ١٠) فقالوا : في المصاحف كذلك، فقال : لا تحول المصاحف، فنقول : هذا دليل معجزة القرآن، وغزارة علم علي رضي الله عنه. أما المعجزة فلأن علياً كان من فصحاء العرب ولما سمع هذا حمله على الطلع واستمر عليه، وما كان قد اتفق حرفه لمبادرة ذهنه إلى معنى، ثم قال في نفسه : إن هذا الكلام في غاية الحسن، لأنه تعالى ذكر الشجر المقصود منه الورق للاستظلال به، والشجر المقصود منه الثمر للاستغلال به، فذكر النوعين، ثم إنه لما اطلع على حقيقة اللفظ علم أن الطلح في هذا الموضع أولى، وهو أفصح من الكلام الذي ظنه في غاية الفصاحة فقال : المصحف بين لي أنه خير مما كان في ظني فالمصحف لا يحول. والذي يؤيد هذا أنه لو كان طلع لكان قوله تعالى :﴿وَفَـاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ﴾ (الواقعة : ٣٢) تكرار أحرف من غير فائدة، وأما على الطلح فتظهر فائدة قوله تعالى :﴿وَفَـاكِهَةٍ﴾ وسنبينها إن شاء الله تعالى.
المسألة الخامسة : ما المنضود ؟
فنقول : إما الورق وإما الثمر، والظاهر أن المراد الورق، لأن شجر الموز من أوله إلى أعلاه يكون ورقاً بعد ورق، وهو ينبت كشجر الحنطة ورقاً بعد ورق وساقه يغلظ وترتفع أوراقه، ويبقى بعضها دون بعض، كما في القصب، فموز الدنيا إذا ثبت كان بين القصب وبين بعضها فرجة، وليس عليها ورق، وموز الآخرة يكون ورقه متصلاً بعضه ببعض فهو أكثر أوراقاً، وقيل : المنضود المثمر، فإن قيل : إذا كان الطلح شجراً فهو لا يكون منضوداً وإنما يكون له ثمر منضود، فكيف وصف به الطلح ؟
نقول : هو من باب حسن الوجه وصف بسبب اتصاف ما يتصل به، يقال : زيد حسن الوجه، وقد يترك الوجه ويقال : زيد حسن والمراد / حسن الوجه ولا يترك إن أوهم فيصح أن يقال : زيد مضروب الغلام، ولا يجوز ترك الغلام لأنه يوهم الخطأ، وأما حسن الوجه فيجوز ترك الوجه.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٠٦
٤٠٧
وفيه وجوه الأول : ممدود زماناً، أي لا زوال له فهو دائم، كما قال تعالى :﴿أُكُلُهَا دَآاـاِمٌ وَظِلُّهَا ﴾ (الرعد : ٣٥) أي كذلك الثاني : ممدود مكاناً، أي يقع على شيء كبير ويستره من بقعة الجنة الثالث : المراد ممدود أي منبسط، كما قال تعالى :﴿وَالارْضَ مَدَدْنَـاهَا﴾ (الحجر : ١٩) فإن قيل : كيف يكون الوجه الثاني ؟
نقول : الظل قد يكون مرتفعاً، فإن الشمس إذا كانت تحت الأرض يقع ظلها في الجو فيتراكم الظل فيسود وجه الأرض وإذا كانت على أحد جانبيها قريبة من الأفق ينبسط على وجه الأرض فيضيء الجو ولا يسخن وجه الأرض، فيكون في غاية الطيبة، فقوله :﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ أي عند قيامه عموداً على الأرض كالظل بالليل، وعلى هذا فالظل ليس ظل الأشجار بل ظل يخلقه الله تعالى.
[بم وقوله تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٠٧
٤٠٧
فيه أيضاً وجوه الأول : مسكوب من فوق، وذلك لأن العرب أكثر ما يكون عندهم الآبار والبرك فلا سكب للماء عندهم بخلاف المواضع التي فيها العيون النابعة من الجبال الحاكمة على الأرض تسكب عليها الثاني : جار في غير أخدود، لأن الماء المسكوب يكون جارياً في الهواء ولا نهر هناك، كذلك الماء في الجنة الثالث : كثير وذلك الماء عند العرب عزيز لا يسكب، بل يحفظ ويشرب، فإذا ذكروا النعم يعدون كثرة الماء ويعبرون عن كثرتها بإراقتها وسكبها، والأول أصح.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٠٧
٤٠٨
لما ذكر الأشجار التي يطلب منها ورقها ذكر بعدها الأشجار التي يقصد ثمرها، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما الحكمة في تقديم الأشجار المورقة على غير المورقة ؟
نقول : هي ظاهرة، وهو أنه قدم الورق على الشجر على طريقة الارتقاء من نعمة إلى ذكر نعمة فوقها، والفواكه أتم نعمة.
المسألة الثانية : ما الحكمة في ذكر الأشجار المورقة بأنفسها، وذكر أشجار الفواكه بثمارها ؟
نقول : هي أيضاً ظاهرة، فإن الأوراق حسنها عند كونها على الشجر، وأما الثمار فهي في أنفسها مطلوبة سواء كانت عليها أو مقطوعة، ولهذا صارت الفواكه لها أسماء بها تعرف أشجارها، فيقال : شجر التين وورقه.