﴿فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ (الصافات : ١٩) أي أنتم تستبعدون نفس البعث، والأعجب من هذا أنه يبعثهم بزجرة واحدة أي صيحة واحدة :﴿فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ﴾ أي يبعثون مع زيادة أمر، وهو فتح أعينهم ونظرهم، بخلاف من نعس فإنه إذا انتبه يبقى ساعة ثم ينظر في الأشياء، فأمر الإحياء عند الله تعالى أهون من تنبيه نائم خامسها : حرف ﴿إِلَى ﴾ أدل على البعث من اللام، ولنذكر هذا في جواب سؤال هو أن الله تعالى قال :﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ﴾ (التغابن : ٩) وقال هنا :﴿لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَـاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ ولم يقل : لميقاتنا وقال :﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَـاتِنَا﴾ (التغابن : ١٤٣) نقول : لما كان ذكر الجمع جواباً للمنكرين المستبعدين ذكر كلمة ﴿إِلَى ﴾ الدالة على التحرك والانتقال لتكون أدل على فعل غير البعث ولا يجمع هناك قال :﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ﴾ ولا يفهم النشور من نفس الحرف وإن كان يفهم من الكلام، ولهذا قال ههنا :﴿لَمَجْمُوعُونَ﴾ بلفظ التأكيد، وقال هناك :﴿يَجْمَعُكُمْ﴾ وقال ههنا :﴿إِلَى مِيقَـاتِ﴾ وهو مصير الوقت إليه، وأما قوله تعالى :﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَـاتِنَا﴾ فنقول : الموضع هناك لم يكن مطلوب موسى عليه السلام، وإنما كان مطلوبه الحضور، لأن من وقت له وقت وعين له موضع كانت حركته في الحقيقة لأمر بالتبع إلى أمر/ وأما هناك فالأمر الأعظم الوقوف في موضعه لا زمانه فقال بكلمة دلالتها على الموضع والمكان أظهر.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤١٥
٤١٦
في تفسير الآيات مسائل :
المسألة الأولى : الخطاب مع من ؟
نقول : قال بعض المفسرين مع أهل مكة، والظاهر أنه عام مع كل ضال مكذب وقد تقدم مثل هذا في مواضع، وهو تمام كلام النبي صلى الله عليه وسلّم كأنه تعالى قال لنبيه : قل إن الأولين والآخرين لمجموعون ثم إنكم تعذبون بهذه الأنواع من العذاب.
المسألة الثانية : قال ههنا :﴿الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ﴾ بتقديم الضال وقال في آخر السورة :﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ﴾ (الواقعة : ٩٢) بتقديم المكذبين، فهل بينهما فرق ؟
قلت : نعم، وذلك أن المراد من الضالين ههنا هم الذين صدر منهم الإصرار على الحنث العظيم، فضلوا في سبيل الله ولم يصلوا إليه ولم يوحدوه، وذلك ضلال عظيم، ثم كذبوا رسله وقالوا :﴿أَاـاِذَا مِتْنَا﴾ فكذبوا بالحشر، فقال :﴿أَيُّهَا الضَّآلُّونَ﴾ الذين أشركتم :﴿الْمُكَذِّبُونَ﴾ الذين أنكرتم الحشر لتأكلون ما تكرهون، وأما هناك فقال لهم :﴿أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ﴾ الذين كذبتم بالحشر :﴿الضَّآلُّونَ﴾ في طريق الخلاص الذين لا يهتدون إلى النعيم، وفيه وجه آخر وهو أن الخطاب هنا مع الكفار فقال : يا أيها الذين ضللتم أولاً وكذبتم ثانياً، والخطاب في آخر السورة مع محمد صلى الله عليه وسلّم يبين له حال الأزواج الثلاثة فقال : المقربون في روح وريحان وجنة ونعيم، وأصحاب اليمين في سلام، وأما المكذبون الذين كذبوا فقد ضلوا فقدم تكذيبهم إشارة إلى كرامة محمد صلى الله عليه وسلّم حيث بين أن أقوى سبب في عقابهم تكذيبهم والذي يدل على أن الكلام هناك مع محمد صلى الله عليه وسلّم قوله :﴿فَسَلَـامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـابِ الْيَمِينِ﴾ (الواقعة : ٩١).
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤١٦


الصفحة التالية
Icon