المسألة الثانية : ما الفائدة في وصفه بالعظيم في قوله :﴿وَإِنَّه لَقَسَمٌ﴾ فنقول : لما قال :﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ وكان معناه : لا أقسم بهذا لوضوح المقسم به عليه. قال : لست تاركاً للقسم بهذا، لأنه ليس بقسم أو ليس بقسم عظيم، بل هو قسم عظيم ولا أقسم به، بل بأعظم منه أقسم لجزمي بالأمر وعلمي بحقيقته.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٣٤
المسألة الثالثة : اليمين في أكثر الأمر توصف بالمغلظة، والعظم يقال : في المقسم حلف فلان بالأيمان العظام، ثم تقول في حقه يمين مغلظة لأن آثامها كبيرة. وأما في حق الله عز وجل فبالعظيم وذلك هو المناسب، لأن معناه هو الذي قرب قوله من كل قلب وملأ الصدر بالرعب لما بينا أن معنى العظيم فيه ذلك، كما أن الجسم العظيم هو الذي قرب من أشياء عظيمة وملأ أماكن كثيرة من العظم، كذلك العظيم الذي ليس بجسم قرب من أمور كثيرة، وملأ صدوراً كثيرة.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٣٤
٤٣٦
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الضمير في قوله تعالى :﴿إِنَّه ﴾ عائد إلى ماذا ؟
فنقول : فيه وجهان أحدهما : إلى معلوم وهو الكلام الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم، وكان معروفاً عند الكل، وكان الكفار يقولون : إنه شعر وإنه سحر، فقال تعالى رداً عليهم :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ﴾ عائد إلى مذكور وهو جميع ما سبق في سورة الواقعة من التوحيد، والحشر، والدلائل المذكورة عليهما، والقسم الذي قال فيه :﴿وَإِنَّه لَقَسَمٌ﴾ (الواقعة : ٧٦) وذلك لأنهم قالوا : هذا كله كلام محمد ومخترع من عنده، فقال :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * فِى كِتَـابٍ مَّكْنُونٍ﴾.
المسألة الثانية : القرآن مصدر أو اسم غير مصدر ؟
فنقول : فيه وجهان أحدهما : مصدر أريد به المفعول وهو المقروء ومثله في قوله تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ﴾ (الرعد : ٣١) وهذا كما يقال في الجسم العظيم : أنظر إلى قدرة الله تعالى أي مقدوره وهو كما في قوله تعالى :﴿هَـاذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى﴾ (لقمان : ١١) ثانيهما : اسم لما يقرأ كالقربان لما يتقرب به، والحلوان لما يحلى به فم المكاري أو الكاهن /وعلى هذا سنبين فساد قول من رد على الفقهاء قولهم في باب الزكاة : يعطى شيئاً أعلى مما وجب ويأخذ الجبران أو يعطى شيئاً دونه، ويعطى الجبران أيضاً، حيث قال : الجبران مصدر لا يؤخذ ولا يعطى، فيقال له هو كالقرآن بمعنى المقروء، ويجوز أن يقال : لما أخذ جابر أو مجبور أو يقال : هو اسم لما يجبر به كالقربان.
المسألة الثالثة : إذا كان هذا الكلام للرد على المشركين فهم ما كانوا ينكرون كونه مقروءاً فما الفائدة في قوله :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ﴾ ؟
نقول فيه وجهان أحدهما : أنه إخبار عن الكل وهو قوله :﴿لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ﴾ فهم كانوا ينكرون كونه قرآناً كريماً وهم ما كانوا يقرون به وثانيهما : وهو أحسن من الأول، أنهم قالوا : هو مخترع من عنده وكان النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : إنه مسموع سمعته وتلوته عليكم فما كان القرآن عندهم مقروءاً، وما كانوا يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلّم يقرأ القرآن وفرق بين القراءة والإنشاء، فلما قال :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ﴾ أثبت كونه مقروءاً على النبي صلى الله عليه وسلّم ليقرأ ويتلى فقال تعالى :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ﴾ سماه قرآناً لكثرة ما قرىء، ويقرأ إلى الأبد بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٣٦


الصفحة التالية
Icon