المسألة الأولى : اختلفوا في السور، فمنهم من قال : المراد منه الحجاب والحيلولة أي / المنافقون منعوا عن طلب المؤمنين، وقال آخرون : بل المراد حائط بين الجنة والنار، وهو قول قتادة، وقال مجاهد : هو حجاب الأعراف.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٦٠
المسألة الثانية : الباء في قوله :﴿بِسُورٍ﴾ صلة وهو للتأكيد والتقدير : ضرب بينهم سور كذا، قاله الأخفش، ثم قال :﴿لَّه بَابُ ﴾ أي لذلك السور باب ﴿بَاطِنُه فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ أي في باطن ذلك السور الرحمة/ والمراد من الرحمة الجنة التي فيها المؤمنين ﴿وَظَـاهِرُه ﴾ يعني وخارج السور ﴿مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ أي من قبله يأتيهم العذاب، والمعنى أن ما يلي المؤمنين ففيه الرحمة، وما يلي الكافرين يأتيهم من قبله العذاب، والحاصل أن بين الجنة والنار حائط وهو السور، ولذلك السور باب، فالمؤمنون يدخلون الجنة من باب ذلك السور، والكافرون يبقون في العذاب والنار.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٦٠
٤٦١
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الآية قولان : الأول :﴿أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ﴾ في الدنيا والثاني :﴿أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ﴾ في العبادات والمساجد والصلوات والغزوات، وهذا القول هو المتعين.
المسألة الثانية : البعد بين الجنة والنار كثير، لأن الجنة في أعلى السموات، والنار في الدرك الأسفل، فهذا يدل على أن البعد الشديد لا يمنع من الإدراك، ولا يمكن أن يقال : إن الله عظم صوت الكفار بحيث يبلغ من أسفل السافلين إلى أعلى عليين، لأن مثل هذا الصوت إنما يليق بالأشداء الأقوياء جداً، والكفار موصوفون بالضعف وخفاء الصوت، فعلمنا أن البعد لا يمنع من الإدراك على ما هو مذهبنا، ثم حكى تعالى : أن المؤمنين قالوا بلى كنتم معنا إلا أنكم فعلتم أشياء بسببها وقعتم في هذا العذاب أولها :﴿وَلَـاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ أي بالكفر والمعاصي وكلها فتنة وثانيها : قوله :﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ وفيه وجوه أحدها : قال ابن عباس : تربصتم بالتوبة وثانيها : قال مقاتل : وتربصتم بمحمد الموت، قلتم يوشك أن يموت فنستريح منه وثالثها : كنتم تتربصون دائرة السوء لتلتحقوا بالكفار، وتتخلصوا من النفاق وثالثها : قوله :﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ وفيه وجوه الأول : شككتم في وعيد الله وثانيها : شككتم في نبوة محمد وثالثها : شككتم في البعث والقيامة ورابعها : قوله :﴿وَغرَّتْكُمُ الامَانِىُّ﴾ قال ابن عباس : يريد الباطل وهو ما كانوا يتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين ﴿حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ﴾ يعني الموت، والمعنى / ما زالوا في خدع الشيطان وغروره حتى أماتهم الله وألقاهم في النار.
قوله تعالى :﴿وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ سماك بن حرب :﴿الْغَرُورُ﴾ بضم الغين، والمعنى وغركم بالله الاغترار وتقديره على حذف المضاف أي غركم بالله سلامتكم منه مع الاغترار.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٦١
المسألة الثانية :﴿الْغَرُورُ﴾ بفتح الغين هو الشيطان لإلقائه إليكم أن لا خوف عليكم من محاسبة ومجازاة.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٦١
٤٦١
الفدية ما يفتدى به وهو قولان : الأول : لا يؤخذ منكم إيمان ولا توبة فقد زال التكليف وحصل الإلجاء.
الثاني : بل المراد لا يقبل منكم فدية تدفعون بها العذاب عن أنفسكم، كقوله تعالى :﴿وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَـاعَةٌ﴾ (البقرة : ١٢٣)، واعلم أن الفدية ما يفتدى به فهو يتناول الإيمان والتوبة والمال، وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلاً على ما تقوله المعتزلة لأنه تعالى بين أنه لا يقبل الفدية أصلاً والتوبة فدية، فتكون الآية دالة على أن التوبة غير مقبولة أصلاً، وإذا كان كذلك لم تكن التوبة واجبة القبول عقلاً أما قوله :﴿وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ففيه بحث : وهو عطف الكافر على المنافق يقتضي أن لا يكون المنافق كافراً لوجوب حصول المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه والجواب : المراد الذين أظهروا الكفر وإلا فالمنافق كافر.
ثم قال تعالى :﴿مَأْوَاـاكُمُ النَّارُا هِىَ مَوْلَـاـاكُم وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾.


الصفحة التالية
Icon