المسألة الثالثة : قال الشافعي وأبو حنيفة إذا قال أنت علي كظهر أمي اليوم، بطل الظهار بمضي اليوم، وقال مالك وابن أبي ليلى، هو مظاهر أبداً لنا أن التحريم الحاصل بالظهار قابل للتوقيت وإلا لما انحل بالتفكير، وإذا كان قابلاً للتوقيت، فإذا وقته وجب أن يتقدر بحسب ذلك التوقيت قياساً على اليمين، فهذا ما يتعلق من المسائل بقوله تعالى :﴿الَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ﴾، أما قوله تعالى :﴿مِن نِّسَآاـاِهِمْ﴾ فيتعلق به أحكام المظاهر منه، واختلفوا في أنه هل يصح الظهار عن الأمة ؟
فقال أبو حنيفة والشافعي : لا يصح، وقال مالك والأوزاعي : يصح، حجة الشافعي أن الحل كان ثابتاً، والتكفير لم يكن واجباً، والأصل في الثابت البقاء، والآية لا تتناول هذه الصورة لأن قوله :﴿وَالَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِن نِّسَآاـاِهِمْ﴾ (المجادلة : ٣) يتناول الحرائر دون الإماء، والدليل عليه قوله :﴿أَوْ نِسَآاـاِهِنَّ﴾ (النور : ٣١) والمفهوم منه الحرائر / ولولا ذلك لما صح عطف قوله :﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ﴾ لأن الشيء لا يعطف على نفسه، وقال تعالى :﴿وَأُمَّهَـاتُ نِسَآاـاِكُمْ﴾ (النساء : ٢٣) فكان ذلك على الزوجات دون ملك اليمين.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٨٨
المسألة الرابعة : فيما يتعلق بهذه الآية من القراءات، قال أبو علي : قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر :﴿وَالَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ﴾ بغير الألف، وقرأ عاصم :﴿يُظَـاهِرُونَ﴾ بضم الياء وتخفيف الظاء والألف، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي يظاهرون بفتح الياء وبالألف مشددة الظاء، قال أبو علي : ظاهر من امرأته، ظهر مثل ضاعف وضعف، وتدخل التاء على كل واحد منهما فيصير تظاهر وتظهر، ويدخل حرف المضارعة فيصير يتظاهر ويتظهر، ثم تدغم التاء في الظاء لمقاربتها لها، فيصير يظاهر ويظهر، وتفتح الياء التي هي حرف المضارعة، لأنها للمطاوعة كما يفتحها في يتدحرج الذي هو مطاوع/ دحرجته فتدحرج، وإنما فتح الياء في يظاهر ويظهر، لأنه المطاوع كما أن يتدحرج كذلك، ولأنه على وزنهما، وإن لم يكونا للإلحاق، وأما قراءة عاصم يظاهرون فهو مشتق من ظاهر يظاهر إذا أتى بمثل هذا التصرف.
المسألة الخامسة : لفظة :﴿مِنكُم﴾ في قوله :﴿الَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِنكُم﴾ توبيخ للعرب وتهجين لعادتهم في الظهار لأنه كان من أيمان أهل الجاهلية خاصة دون سائر الأمم، وقوله تعالى :﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَـاتِهِمْ ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ عاصم في رواية المفضل :﴿أُمَّهَـاتِهِمْ ﴾ بالرفع والباقون بالنصب على لفظ الخفض، وجه الرفع أنه لغة تميم، قال سيبويه : وهو أقيس الوجهين، وذلك أن النفي كالاستفهام فكما لا يغير الاستفهام الكلام عما كان عليه، فكذا ينبغي أن لا يغير النفي الكلام عما كان عليه، ووجه النصب أنه لغة أهل الحجاز والأخذ في التنزيل بلغتهم أولى، وعليها جاء قوله :﴿مَا هَـاذَا بَشَرًا﴾ (يوسف : ٣١) ووجهه من القياس أن ما تشبه ليس في أمرين أحدهما : أن :(ما) تدخل على المبتدأ والخبر، كما أن (ليس) تدخل عليهما والثاني : أن (ما) تنفي ما في الحال، كما أن (ليس) تنفي ما في الحال، وإذا حصلت المشابهة من وجهين وجب حصول المساواة في سائر الأحكام، إلا ما خص بالدليل قياساً على باب مالا ينصرف.
المسألة الثانية : في الآية إشكال : وهو أن من قال لامرأته : أنت علي كظهر أمي، فهو شبه الزوجة بالأم، ولم يقل : إنها أم، فكيف يليق أن يقال على سبيل الإبطال لقوله :﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَـاتِهِمْ ﴾ وكيف يليق أن يقال :﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾ والجواب : أما الكذب إنما لزم لأن قوله : أنت علي كظهر أمي، إما أن يجعله إخباراً أو إنشاء وعلى التقدير الأول أنه كذب، لأن الزوجة محللة والأم محرمة، وتشبيه المحللة بالمحرمة في وصف الحل والحرمة كذب، وإن جعلناه إنشاء كان ذلك أيضاً كذباً، لأن كونه إنشاء معناه أن الشرع جعله سبباً في حصول الحرمة، فلما لم يرد الشرع بهذا التشبيه، كان جعله إنشاء في وقوع هذا الحكم يكون كذباً وزوراً، وقال / بعضهم : إنه تعالى إنما وصفه بكونه :﴿مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾ لأن الأم محرمة تحريماً مؤبداً، والزوجة لا تحرم عليه بهذا القول تحريماً مؤبداً، فلا جرم كان ذلك منكراً من القول وزوراً، وهذا الوجه ضعيف لأن تشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي وقوع المشابهة بينهما من كل الوجوه، فلا يلزم من تشبيه الزوجة بالأم في الحرمة تشبيهها بها في كون الحرمة مؤبدة، لأن مسمى الحرمة أعم من الحرمة المؤبدة والمؤقتة.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٨٨


الصفحة التالية
Icon