قوله تعالى :﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَـانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ الألف واللام في لفظ ﴿النَّجْوَى ﴾ لا يمكن أن يكون للاستغراق، لأن في النجوى ما يكون من الله ولله، بل المراد منه المعهود السابق وهو النجوى بالإثم والعدوان، والمعنى أن الشيطان يحملهم على أن يقدموا على تلك النجوى التي / هي سبب لحزن المؤمنين، وذلك لأن المؤمنين إذا رأوهم متناجين، ثالوا : ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا إلى الغزوات أنهم قتلوا وهزموا، ويقع ذلك في قلوبهم ويحزنون له.
ثم قال تعالى :﴿وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْـاًا إِلا بِإِذْنِ اللَّه ﴾ وفيه وجهان : أحدهما : ليس يضر التناجي بالمؤمنين شيئاً والثاني : الشيطان ليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله، وقوله :﴿إِلا بِإِذْنِ اللَّه ﴾ فقيل : بعلمه وقيل : بخلقه، وتقديره للأمراض وأحوال القلب من الحزن والفرح، وقيل : بأن يبين كيفية مناجاة الكفار حتى يزول الغم.
ثم قال :﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فإن من توكل عليه لا يخيب أمله ولا يبطل سعيه.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٩٦
٤٩٧
قوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى الْمَجَـالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما نهى عباده المؤمنين عما يكون سبباً للتباغض والتنافر، أمرهم الآن بما يصير سبباً لزيادة المحبة والمودة، وقوله :﴿تَفَسَّحُوا فِى الْمَجَـالِسِ﴾ توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض، من قولهم : افسح عني، أي تنح، ولا تتضاموا، يقال : بلدة فسيحة، ومفازة فسيحة، ولك فيه فسحة، أي سعة.
المسألة الثانية : قرأ الحسن وداود بن أبي هند :(تفاسحوا)، قال ابن جني : هذا لائق بالغرض لأنه إذا قيل :(تفسحوا)، فمعناه ليكن هناك تفسح، وأما التفاسح فتفاعل، والمراد ههنا المفاعلة، فإنها تكون لما فوق الواحد كالمقاسمة والمكايلة، وقرىء :﴿فِى الْمَجَـالِسِ﴾ قال الواحدي : والوجه التوحيد لأن المراد مجلس النبي صلى الله عليه وسلّم وهو واحد، ووجه الجمع أن يجعل لكل جالس مجلس على حدة، أي موضع جلوس.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٤٩٧


الصفحة التالية
Icon