المسألة الثانية : غلبة جميع الرسل بالحجة مفاضلة، إلا أن منهم من ضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف، ومنهم من لم يكن كذلك، ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ﴾ على نصرة أنبيائه :﴿عَزِيزٌ﴾ غالب لا يدفعه أحد عن مراده، لأن كل ما سواه ممكن الوجود لذاته، والواجب لذاته يكون غالباً للممكن / لذاته، قال مقاتل : إن المسلمين قالوا : إنا لنرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبي : أتظنون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتموهم، كلا والله إنهم أكثر جمعاً وعدة فأنزل الله هذه الآية.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٠١
٥٠١
المعنى أنه لا يجتمع الإيمان مع وداد أعداء الله، وذلك لأن من أحب أحداً امتنع أن يحب مع ذلك عدوه وهذا على وجهين أحدهما : أنهما لا يجتمعان في القلب، فإذا حصل في القلب وداد أعداء الله، لم يحصل فيه الإيمان، فيكون صاحبه منافقاً والثاني : أنهما يجتمعان ولكنه معصية وكبيرة، وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافراً بسبب هذا الوداد، بل كان عاصياً في الله، فإن قيل : أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاشرتهم، فما هذه المودة المحرمة المحظورة ؟
قلنا : المودة المحظورة هي إرادة منافسه ديناً ودنيا مع كونه كافراً، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه، ثم إنه تعالى بالغ في المنع من هذه المودة من وجوه أولها : ما ذكر أن هذه المودة مع الإيمان لا يجتمعان وثانيها : قوله :﴿وَلَوْ كَانُوا ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ والمراد أن الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع الميل، ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مغلوباً مطروحاً بسبب الدين، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد، وعمر بن لخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وأبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :"متعنا بنفسك" ومصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير، / وعلي بن أبي طالب وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يوم بدر، أخبر أن هؤلاء لم يوادوا أقاربهم وعشائرهم غضباً لله ودينه وثالثها : أنه تعالى عدد نعمه على المؤمنين، فبدأ بقوله :﴿ أولئك كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الايمَانَ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : المعنى أن من أنعم الله عليه بهذه النعمة العظيمة كيف يمكن أن يحصل في قلبه مودة أعداء الله، واختلفوا في المراد من قوله :﴿كَتَبَ﴾ أما القاضي فذكر ثلاثة أوجه على وفق قول المعتزلة أحدها : جعل في قلوبهم علامة تعرف بها الملائكة ما هم عليه من الإخلاص وثانيها : المراد شرح صدورهم للإيمان بالألطاف والتوفيق وثالثها : قيل في :﴿كَتَبَ﴾ قضى أن قلوبهم بهذا الوصف، واعلم أن هذه الوجوه الثلاثة نسلمها للقاضي ونفرع عليها صحة قولنا، فإن الذي قضى الله به أخبر عنه وكتبه في اللوح المحفوظ، لو لم يقع لانقلب خبر الله الصدق كذباً وهذا محال، والمؤدي إلى المحال محال، وقال أبو علي الفارسي معناه : جمع، والكتيبة : الجمع من الجيش، والتقدير أولئك الذين جمع الله في قلوبهم الإيمان، أي استكملوا فلم يكونوا ممن يقولون :﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾ (النساء : ١٥٠) ومتى كانوا كذلك امتنع أن يحصل في قلوبهم مودة الكفار، وقال جمهور أصحابنا :﴿كَتَبَ﴾ معناه أثبت وخلق، وذلك لأن الإيمان لا يمكن كتبه، فلا بد من حمله على الإيجاد والتكوين.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٠١
المسألة الثانية : روى المفضل عن عاصم :﴿كَتَبَ﴾ على فعل مالم يسم فاعله، والباقون :﴿كَتَبَ﴾ على إسناد الفعل إلى الفاعل والنعمة الثانية : قوله :﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْه ﴾ وفيه قولان : الأول : قال ابن عباس : نصرهم على عدوهم، وسمى تلك النصرة روحاً لأن بها يحيا أمرهم والثاني : قال السدي : الضمير في قوله :﴿مِّنْه ﴾ عائد إلى الإيمان والمعنى أيدهم بروح من الإيمان يدل عليه قوله :﴿وَكَذَالِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ (الشورى : ٥٢) النعمة الثالثة :﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ وهو إشارة إلى نعمة الجنة النعمة الرابعة : قوله تعالى :﴿رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه ﴾ وهي نعمة الرضوان، وهي أعظم النعم وأجل المراتب، ثم لما عدد هذه النعم ذكر الأمر الرابع من الأمور التي توجب ترك الموادة مع أعداء الله فقال :﴿ أولئك حِزْبُ اللَّه أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وهو في مقابلة قوله فيهم :﴿ أولئك حِزْبُ الشَّيْطَانِا أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المجادلة : ١٩).
واعلم أن الأكثرين اتفقوا على أن قوله :﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَه ﴾ نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلّم لما أراد فتح مكة، وتلك القصة معروفة وبالجملة فالآية زجر عن التودد إلى الكفار والفساق.
عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول :"اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا﴾ إلى آخره" والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٠١
المسألة الثانية : روى المفضل عن عاصم :﴿كَتَبَ﴾ على فعل مالم يسم فاعله، والباقون :﴿كَتَبَ﴾ على إسناد الفعل إلى الفاعل والنعمة الثانية : قوله :﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْه ﴾ وفيه قولان : الأول : قال ابن عباس : نصرهم على عدوهم، وسمى تلك النصرة روحاً لأن بها يحيا أمرهم والثاني : قال السدي : الضمير في قوله :﴿مِّنْه ﴾ عائد إلى الإيمان والمعنى أيدهم بروح من الإيمان يدل عليه قوله :﴿وَكَذَالِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ (الشورى : ٥٢) النعمة الثالثة :﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ وهو إشارة إلى نعمة الجنة النعمة الرابعة : قوله تعالى :﴿رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه ﴾ وهي نعمة الرضوان، وهي أعظم النعم وأجل المراتب، ثم لما عدد هذه النعم ذكر الأمر الرابع من الأمور التي توجب ترك الموادة مع أعداء الله فقال :﴿ أولئك حِزْبُ اللَّه أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وهو في مقابلة قوله فيهم :﴿ أولئك حِزْبُ الشَّيْطَانِا أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المجادلة : ١٩).
واعلم أن الأكثرين اتفقوا على أن قوله :﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَه ﴾ نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلّم لما أراد فتح مكة، وتلك القصة معروفة وبالجملة فالآية زجر عن التودد إلى الكفار والفساق.
عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول :"اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا﴾ إلى آخره" والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين وخاتم النبيين، سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٠١
٥٠٤


الصفحة التالية
Icon