روى عن الزهري ومسروق أن من حكم الله تعالى أن يسأل المسلمون من الكفار مهر المرأة المسلمة إذا صارت إليهم، ويسأل الكفار من المسلمين مهر من صارت إلينا من نسائهم مسلمة، فأقر المسلمون بحكم الله وأبى المشركون فنزلت :﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ أي سبقكم وانفلت / منكم، قال الحسن ومقاتل : نزلت في أم حكيم بنت أبي سفيان ارتدت وتركت زوجها عباس بن تميم القرشي، ولم ترتد امرأة من غير قريش غيرها، ثم عادت إلى الإسلام، وقوله تعالى :﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ أي فغنمتم، على قول ابن عباس ومسروق ومقاتل، وقال أبو عبيدة أصبتم منهم عقبى، وقال المبرد ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ أي فعلتم ما فعل بكل يعني ظفرتم، وهو من قولك : العقبى لفلان، أي العاقبة، وتأويل العاقبة الكرة الأخيرة، ومعنى عاقبتم : غزوتم معاقبين غزواً بعد غزو، وقيل : كانت العقبى لكم والغلبة، فأعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا عليهن من المهر، وهو قوله :﴿فَـاَاتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَآ أَنفَقُوا ﴾، وقرىء :(فأعقبتم) بالتشديد، و(فعقبتم) بالتخفيف بفتح القاف وكسرها.
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٢٦
٥٢٦
روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر أسفل منه يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متقنعة متنكرة خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يعرفها، فقال عليه الصلاة والسلام :"أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فرفعت هند رأسها وقالت : والله لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال، تبايع الرجال على الإسلام والجهاد فقط، فقال عليه الصلاة والسلام : ولا تسرقن، فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هناة فما أدري أتحل لي أم لا ؟
فقال : أبو سفيان ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعرفها، فقال لها : وإنك لهند بنت عتبة، قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك، فقال : ولا تزنين، فقالت : أتزن الحرة، وفي رواية مازنت منهن امرأة قط، فقال : ولا تقتلن أولادكن، فقالت : ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً، فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك رضي الله عنه حتى استلقى، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : ولا تأتين ببهتان تفترينه، وهو أن تقذف على زوجها ما ليس منه، فقالت هند : والله / إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال : ولا تعصينني في معروف، فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصينك في شيء" وقوله :﴿وَلا يَسْرِقْنَ﴾ يتضمن النهي عن الخيانة في الأموال والنقصان من العبادة، فإنه يقال : أسرق من السارق من سرق من صلاته :﴿وَلا يَزْنِينَ﴾ يحتمل حقيقة الزنا ودواعيه أيضاً على ما قال صلى الله عليه وسلّم :"اليدان تزنيان، والعينان تزنيان، والرجلان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" وقوله :
جزء : ٢٩ رقم الصفحة : ٥٢٦


الصفحة التالية
Icon