أي فامضوا، وقيل : فامشوا وعلى هذا معنى، السعي : المشي لا العدو، وقال الفراء : المضي والسعي والذهاب في معنى واحد، وعن عمر أنه سمع رجلاً يقرأ :﴿فَاسْعَوْا ﴾ قال من أقرأك هذا، قال : أبي، قال : لا يزال يقرأ بالمنسوخ، لو كانت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي، وقيل : المراد بالسعي القصد دون العدو، والسعي التصرف في كل عمل، ومنه قوله تعالى :﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ﴾ قال الحسن : والله ما هو سعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب، وسعي بالنية، وسعي بالرغبة، ونحو هذا، والسعي ههنا هو العمل عند قوم، وهو مذهب مالك والشافعي، إذ السعي في كتاب الله العمل، قال تعالى :﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الارْضِ﴾ (البقرة : ٢٠٥) ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ (الليل : ٤) أي العمل، وروي عنه صلى الله عليه وسلّم :"إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن ائتوها وعليكم السكينة" واتفق الفقهاء على :"أن النبي صلى الله عليه وسلّم (كان) متى أتى الجمعة أتى على هينة" وقوله :﴿إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ الذكر هو الخطبة عند الأكثر من أهل التفسير، وقيل : هو الصلاة، وأما الأحكام المتعلقة بهذه الآية فإنها تعرف من الكتب الفقهية، وقوله تعالى :﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ قال الحسن : إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحل الشراء والبيع، وقال عطاء : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء، / وقال الفراء إنما حرم البيع والشراء إذا نودي للصلاة لمكان الاجتماع ولندرك له كافة الحسنات، وقوله تعالى :﴿ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي في الآخرة ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ما هو خير لكم وأصلح، وقوله تعالى :﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ﴾ أي إذا صليتم الفريضة يوم الجمعة ﴿فَانتَشِرُوا فِى الارْضِ﴾ هذا صيغة الأمر بمعنى الإباحة لما أن إباحة الانتشار زائلة بفرضية أداء الصلاة، فإذا زال ذلك عادت الإباحة فيباح لهم أن يتفرقوا في الأرض ويبتغوا من فضل الله، وهو الرزق، ونظيره :﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلا مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ (البقرة : ١٩٨)، وقال ابن عباس : إذا فرغت من الصلاة فإن شئت فاخرج، وإن شئت فصل إلى العصر، وإن شئت فاقعد، كذلك قوله :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٤٥
﴿وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ فإنه صيغة أمر بمعنى الإباحة أيضاً لجلب الرزق بالتجارة بعد المنع، بقوله تعالى :﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ وعن مقاتل : أحل لهم ابتغاء الرزق بعد الصلاة، فمن شاء خرج. ومن شاء لم يخرج، وقال مجاهد : إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وقال الضحاك، هو إذن من الله تعالى إذا فرغ، فإن شاء خرج، وإن شاء قعد، والأفضل في الابتغاء من فضل الله أن يطلب الرزق، أو الولد الصالح أو العلم النافع وغير ذلك من الأمور الحسنة، والظاهر هو الأول، وعن عراك بن مالك أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد (و) قال : اللهم أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين، وقوله تعالى :﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ قال مقاتل : باللسان، وقال سعيد بن جبير : بالطاعة، وقال مجاهد : لا يكون من الذاكرين كثيراً حتى يذكره قائماً وقاعداً ومضطجعاً، والمعنى إذا رجعتم إلى التجارة وانصرفتم إلى البيع والشراء مرة أخرى فاذكروا الله كثيراً، قال تعالى :﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾. وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم :"إذا أتيتم السوق فقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فإن من قالها كتب الله له ألف ألف حسنة وحط عنه ألف ألف خطيئة ورفع له ألف ألف درجة" وقوله تعالى :﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ من جملة ما قد مر مراراً، وفي الآية مباحث :


الصفحة التالية
Icon