جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٥٧
الأول : قال :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ بطريق الإضافة، ولم يقل : ونوره الذي أنزلنا بطريق الإضافة مع أن النور ههنا هو القرآن والقرآن كلامه ومضاف إليه ؟
نقول : الألف واللام في النور بمعنى الإضافة كأنه قال : ورسوله ونوره الذي أنزلنا.
الثاني : بم انتصب الظرف ؟
نقول : قال الزجاج : بقوله :﴿لَتُبْعَثُنَّ﴾ وفي "الكشاف" بقوله :﴿لَتُنَبَّؤُنَّ﴾ أو بخبير لما فيه من معنى الوعيد. كأنه قيل : والله معاقبكم يوم يجمعكم أو بإضمار اذكر.
الثالث : قال تعالى في الإيمان :﴿وَمَن يُؤْمِنا بِاللَّهِ﴾ بلفظ المستقبل، وفي الكفر وقال :﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بلفظ الماضي، فنقول : تقدير الكلام : ومن يؤمن بالله من الذين كفروا وكذبوا بآيتاتنا يدخله جنات ومن لم يؤمن منهم أولئك أصحاب النار.
الرابع : قال تعالى :﴿وَمَن يُؤْمِن ﴾ بلفظ الواحد و﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ بلفظ الجمع، نقول : ذلك بحسب اللفظ، وهذا بحسب المعنى.
الخامس : ما الحكمة في قوله :﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ بعد قوله :﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ وذلك بئس المصير فنقول : ذلك وإن كان في معناه فلا يدل عليه بطريق التصريح فالتصريح مما يؤكده.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٥٧
٥٥٨
قوله تعالى :﴿إِلا بِإِذْنِ اللَّه ﴾ أي بأمر الله قاله الحسن، وقيل : بتقدير الله وقضائه، وقيل : بإرادة / الله تعالى ومشيئته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بعلمه وقضائه وقوله تعالى :﴿يَهْدِ قَلْبَه ﴾ أي عند المصيبة أو عند الموت أو المرض أو الفقر أو القحط، ونحو ذلك فيعلم أنها من الله تعالى فيسلم لقضاء الله تعالى ويسترجع، فذلك قوله :﴿يَهْدِ قَلْبَه ﴾ أي للتسليم لأمر الله، ونظيره قوله :﴿الَّذِينَ إِذَآ أَصَـابَتْهُم مُّصِيبَةٌ﴾ إلى قوله :﴿وَأُوالَـا ئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة : ١٥٦، ١٥٧)، قال أهل المعاني : يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما يهد قلبه إلى ما يحب ويرضى وقرىء ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَه ﴾ بالنون وعن عكرمة ﴿يَهْدِ قَلْبَه ﴾ بفتح الدال وضم الياء، وقرىء قال الزجاج : هدأ قلبه يهدأ إذا سكن، والقلب بالرفع والنصب ووجه النصب أن يكون مثل ﴿مَن سَفِهَ نَفْسَه ﴾ (البقرة : ١٣٠) ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ يحتمل أن يكون إشارة إلى اطمئنان القلب عند المصيبة، وقيل : عليم بتصديق من صدق رسوله فمن صدقه فقد هدى قلبه :﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ فيما جاء به من عند الله يعني هونوا المصائب والنوازل واتبعوا الأوامر الصادرة من الله تعالى، ومن الرسول فيما دعاكم إليه.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٥٨
وقوله :﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه ﴿فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ﴾ الظاهر والبيان البائن، وقوله :﴿اللَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ يحتمل أن يكون هذا من جملة ما تقدم من الأوصاف الحميدة لحضرة الله تعالى من قوله :﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُا وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ (التغابن : ١) فإن من كان موصوفاً بهذه الصفات ونحوها :﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ أي لا معبود إلا هو ولا مقصود إلا هو عليه التوكل في كل باب، وإليه المرجع والمآب، وقوله :﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ بيان أن المؤمن لا يعتمد إلا عليه، ولا يتقوى إلا به لما أنه يعتقد أن القادر بالحقيقة ليس إلا هو، وقال في "الكشاف" : هذا بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلّم على التوكل عليه والتقوى به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه، فإن قيل : كيف يتعلق ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّه ﴾ بما قبله ويتصل به ؟
نقول : يتعلق بقوله تعالى :﴿قُلْ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ (التغابن : ٨) لما أن من يؤمن بالله فيصدقه يعلم ألا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٥٨
٥٥٨


الصفحة التالية
Icon