الأول : ما الحكمة في إطلاق السنة وإطلاق البدعة ؟
نقول : إنما سمي بدعة لأنها إذا كانت حائضاً لم تعتد بأيام حيضها عن عدتها بل تزيد على ثلاثة أقراء فتطول العدة عليها حتى تصير كأنها أربعة أقراء وهي في الحيض الذي طلقت فيه في صورة المعلقة التي لا هي معتدة ولا ذات بعل والعقول تستقبح الإضرار، وإذا كانت طاهرة مجامعة لم يؤمن أن قد علقت من ذلك الجمع بولد ولو علم الزوج لم يطلقها، وذلك أن الرجل قد يرغب في طلاق امرأته إذا لم يكن بينهما ولد ولا يرغب في ذلك إذا كانت حاملاً منه بولد، فإذا طلقها وهي مجامعة وعنده أنها حائل في ظاهر الحال ثم ظهر بها حمل ندم على طلاقها ففي طلاقه إياها في الحيض سوء نظر للمرأة، وفي الطلاق في الطهر الذي جامعها فيه وقد حملت فيه سوء نظر للزوج، فإذا طلقت وهي طاهر غير مجامعة أمن هذان الأمران، لأنها تعتد عقب طلاقه إياها، فتجري في الثلاثة قروء، والرجل أيضاً في الظاهر على أمان من اشتمالها على ولد منه.
الثاني : هل يقع الطلاق المخالف للسنة ؟
نقول : نعم، وهو آثم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً بين يديه، فقال له :"أو تلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم".
الثالث : كيف تطلق للسنة التي لا تحيض لصغر أو كبر أو غير ذلك ؟
نقول : الصغيرة والآيسة والحامل كلهن عند أبي حنيفة وأبي يوسف يفرق عليهن الثلاث في الأشهر، وقال محمد وزفر : لا يطلق للسنة إلا واحدة. وأما غير المدخول بها فلا تطلق للسنة إلا واحدة، ولا يراعى الوقت.
الرابع : هل يكره أن تطلق المدخول بها واحدة بائنة ؟
نقول : اختلفت الرواية فيه عن أصحابنا، والظاهر الكراهة.
الخامس :﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ﴾ عام يتناول المدخول بهن، وغير المدخول بهن من ذوات الأقراء، والآيسات والصغار والحوامل، فكيف يصح تخصيصه بذوات الأقراء والمدخول بهن ؟
نقول : لا عموم ثمة ولا خصوص أيضاً، لكن النساء اسم جنس للإناث من الإنس، وهذه الجنسية معنى قائم في كلهن، وفي بعضهن، فجاز أن يراد بالنساء هذا وذاك فلما قيل :﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ علم أنه أطلق على بعضهن، وهن المدخول بهن من المعتدات بالحيض، كذا ذكره في "الكشاف".
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٣
ثم قال تعالى :﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُم لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنا بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍا وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّه وَمَن يَتَعَدَّ﴾.
قوله :﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ قال مقاتل : اخشوا الله فلا تعصوه فيما أمركم و﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ﴾ أي لا تخرجوا المعتدات من المساكن التي كنتم تساكنونهن فيها قبل الطلاق، فإن كانت المساكن عارية فارتجعت كان على الأزواج أن يعينوا مساكن أخرى بطريق الشراء، أو بطريق الكراء، أو بغير ذلك، وعلى الزوجات أيضاً أن لا يخرجن حقاً لله تعالى إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت ليلاً أو نهاراً كان ذلك الخروج حراماً، ولا تنقطع العدة.
وقوله تعالى :﴿إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ قال ابن عباس : هو أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن، قال الضحاك الأكثرون : فالفاحشة على هذا القول هي الزنا، وقال ابن عمر : الفاحشة خروجهن قبل انقضاء العدة، قال السدي والباقون : الفاحشة المبينة هي العصيان المبين، وهو النشوز، وعن ابن عباس : إلا أن يبذون فيحل إخراجهن لبذائهن وسوء خلقهن، فيحل للأزواج إخراجهن من بيوتهن، وفي الآية مباحث :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٣