قال عطاء : يريد بفضل معروفاً منك، وقال مقاتل : بتراضي الأب والأم، وقال المبرد : ليأمر بعضكم بعضاً بالمعروف، والخطاب للأزواج من النساء والرجال، والمعروف ههنا أن لا يقصر الرجل في حق المرأة ونفقتها ولا هي في حق الولد ورضاعه وقد مر تفسير الائتمار، وقيل : الائتمار التشاور في إرضاعه إذا تعاسرت هي، وقوله تعالى :﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ﴾ أي في الأجرة :﴿فَسَتُرْضِعُ لَه ا أُخْرَى ﴾ غير الأم، ثم بين قدر الإنفاق بقوله :﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِه ﴾ أمر أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات على قدر سعتهم ومن كان رزقه بمقدار القوت فلينفق على مقدار ذلك، ونظيره :﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُه وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُه ﴾ (البقرة : ٢٣٦) وقوله تعالى :﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَآ ءَاتَـاـاهَا ﴾ أي ما أعطاها من الرزق، قال السدي : لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني، وقوله :﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ أي بعد ضيق وشدة غنى وسعة ورخاء وكان الغالب في ذلك الوقت الفقر والفاقة، فأعلمهم الله تعالى أن يجعل بعد عسر يسراً وهذا كالبشارة لهم بمطلوبهم، ثم في الآية مباحث :
الأول : إذا قيل :(من) في قوله :﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ ما هي ؟
نقول : هي التبعيضية أي بعض مكان سكناكم إن لم يكن (لكم) غير بيت واحد فأسكنوها في بعض جوانبه.
الثاني : ما موقع ﴿مِّن وُجْدِكُمْ﴾ ؟
نقول : عطف بيان لقوله :﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ وتفسير له، أي مكاناً من مسكنكم على قدر طاقتكم.
الثالث : فإذا كانت كل مطلقة عندكم يجب لها النفقة، فما فائدة الشرط في قوله تعالى :﴿وَإِن كُنَّ أُوْلَـاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ نقول : فائدته أن مدة الحمل ربما طال وقتها، فيظن أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار مدة الحمل، فنفى ذلك الظن.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٨
٥٦٨
قوله تعالى :﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ﴾ الكلام في كأين قد مر، وقوله :﴿عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا﴾ وصف القرية بالعتو والمراد أهلها، كقوله :﴿وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (يوسف : ٨٢) قال ابن عباس :﴿عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي أعرضت عنه، وقال مقاتل : خالفت أمر ربها، وخالفت رسله، فحاسبناها حساباً شديداً، فحاسبها الله بعملها في الدنيا فجازاها العذاب، وهو قوله :﴿وَعَذَّبْنَـاـاهَا عَذَابًا نُّكْرًا﴾ أي عذاباً منكراً عظيماً، فسر المحاسبة بالتعذيب. وقال الكلبي : هذا على التقديم والتأخير، يعني فعذبناها في الدنيا وحاسبناها في الآخرة حساباً شديداً، والمراد حساب الآخرة وعذابها ﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ أي شدة أمرها وعقوبة كفرها. وقال ابن عباس : عاقبة كفرها ﴿وَكَانَ عَـاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾ أي عاقبة عتوها خساراً في الآخرة، وهو قوله تعالى :﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ يخوف كفار مكة أن يكذبوا محمداً فينزل بهم ما نزل بالأمم قبلهم، وقوله تعالى :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَـا أُوْلِى الالْبَـابِ﴾ خطاب لأهل الإيمان، أي فاتقوا الله عن أن تكفروا به وبرسوله، وقوله :﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَّسُولا﴾ هو على وجهين أحدهما : أنزل الله إليكم ذكراً، هو الرسول، وإنما سماه ذكراً لأنه يذكر ما يرجع إلى دينهم وعقباهم وثانيهما : أنزل الله إليكم ذكراً، وأرسل رسولاً. وقال في "الكشاف" :﴿رَّسُولا﴾ هو جبريل عليه السلام، أبدل من ﴿ذِكْرًا﴾ لأنه وصف بتلاوة آيات الله، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر، والذكر قد يراد به الشرف، كما في قوله تعالى :﴿وَإِنَّه لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ (الزخرف : ٤٤) وقد يراد به القرآن، كما في قوله تعالى :﴿وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ (النحل : ٤٤) وقرىء (رسول) على هو رسول، و﴿يَتْلُوا عَلَيْكُمْ ءَايَـاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَـاتٍ﴾ بالخفض والنصب، والآيات هي الحجج فبالخفض، لأنها تبين الأمر والنبي والحلال والحرام، ومن نصب يريد أنه تعالى أوضح آياته وبينها أنها من عنده.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٦٨
وقوله تعالى :﴿لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ يعني من ظلمة / الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة الشبهة إلى نور الحجة، ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم.
وفي الآية مباحث :
الأولى : قوله تعالى :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَـا أُوْلِى الالْبَـابِ﴾ يتعلق بقوله تعالى :﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا﴾ أم لا ؟
فنقول : قوله :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ يؤكد قول من قال : المراد من قرية أهلها، لما أنه يدل على أن خطاب الله تعالى لا يكون إلا لذوي العقول فمن لا عقل له فلا خطاب عليه/ وقيل قوله تعالى :﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ﴾ مشتمل على الترهيب والترغيب.


الصفحة التالية
Icon