﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ﴾. قال مقاتل : قد بين الله، كما في قوله تعالى :﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَـاهَا وَفَرَضْنَـاهَا﴾ (النور : ١) وقال الباقون : قد أوجب، قال صاحب "النظم" : إذا وصل بعلى لم يحتمل غير الإيجاب كما في قوله تعالى :﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ﴾ (الأحزاب : ٥٠) وإذا وصل باللام احتمل الوجهين، وقوله تعالى :﴿تَحِلَّةَ أَيْمَـانِكُمْ ﴾ أي تحليلها بالكفارة وتحلة على وزن تفعلة وأصله تحللة وتحلة القسم على وجهين أحدهما : تحليله بالكفارة كالذي في هذه الآية وثانيهما : أن يستعمل بمعنى الشيء القليل، وهذا هو الأكثر كما روي في الحديث :"لن يلج النار إلا تحلة القسم" يعني زماناً يسيراً، وقرىء (كفارة أيمانكم)، ونقل جماعة من المفسرين أن النبي صلى الله عليه وسلّم حلف أن لا يطأ جاريته فذكر الله له ما أوجب من كفارة اليمين، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الحرام يمين، يعني إذا قال : أنت علي حرام ولم ينو طلاقاً ولا ظهاراً كان هذا اللفظ موجباً لكفارة يمين ﴿وَاللَّهُ مَوْلَـاـاكُمْ ﴾، أي وليكم وناصركم وهو العليم بخلقه الحكيم فيما فرض من حكمه، وقوله تعالى :﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِه حَدِيثًا﴾ يعني ما أسر إلى حفصة من تحريم الجارية على نفسه واستكتمها ذلك وقيل لما رأى النبي صلى الله عليه وسلّم الغيرة في وجه حفصة أراد أن يترضاها فأسر إليها بشيئين تحريم الأمة على نفسه والبشارة بأن الخلافة بعده في أبي بكر وأبيها عمر، قاله ابن عباس وقوله :﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِه ﴾ أي أخبرت به عائشة وأظهره الله عليه أطلع نبيه على قول حفصة لعائشة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم حفصة عند ذلك ببعض ما قالت وهو قوله تعالى :﴿عَرَّفَ بَعْضَه ﴾ حفصة :﴿وَأَعْرَضَ عَنا بَعْضٍ ﴾ لم يخبرها أنك أخبرت عائشة على وجه التكرم والإغضاء، والذي أعرض عنه ذكر خلافة أبي بكر وعمر، وقرىء (عرف) مخففاً أي جازى عليه من قولك للمسيء لأعرفن لك ذلك وقد عرفت ما صنعت قال تعالى :﴿ أولئك الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ﴾ (النساء : ٦٣) أي يجازيهم وهو يعلم ما في قلوب الخلق أجمعين وقوله تعالى :﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِه قَالَتْ﴾ حفصة :﴿مَنْ أَنابَأَكَ هَـاذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ وصفه بكون خبيراً بعد ما وصفه بكون عليماً لما أن في الخبير من المبالغة ما ليس في العليم، وفي الآية مباحث :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٧٣
البحث الأول : كيف يناسب قوله :﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـانِكُمْ ﴾ إلى قوله ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ (التحريم : ١) ؟
نقول : يناسبه لما كان تحريم المرأة يميناً حتى إذا قال لامرأته : أنت علي حرام فهو يمين ويصير مولياً بذكره من بعد ويكفر.
البحث الثاني : ظاهر قوله تعالى :﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَـانِكُمْ ﴾ إنه كانت منه يمين / فهل كفر النبي عليه الصلاة والسلام لذلك ؟
نقول : عن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين/ وعن مقاتل أنه أعتق رقبة في تحريم مارية.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٧٣
٥٧٤


الصفحة التالية
Icon