جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٧٧
وقوله تعالى :﴿يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ قال ابن عباس : يقولون ذلك عند إطفاء نور المنافقين إشفاقاً، وعن الحسن : أنه تعالى متمم لهم نورهم، ولكنهم يدعون تقرباً إلى حضرة الله تعالى، كقوله :﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ﴾ (محمد : ١٩) وهو مغفور، وقيل : أدناهم منزلة من نوره بقدر ما يبصر مواطىء قدمه، لأن النور على قدر الأعمال فيسألون إتمامه، وقيل : السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم حبواً وزحفاً، فهم الذين يقولون :﴿رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ قاله في "الكشاف"، وقوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ جَـاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَـافِقِينَ﴾ ذكر المنافقين مع أن لفظ الكفار يتناول المنافقين ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ أي شدد عليهم، والمجاهدة قد تكون بالقتال، وقد تكون بالحجة تارة باللسان، وتارة بالسنان، وقيل : جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، لأنهم هم المرتكبون الكبائر، لأن أصحاب الرسول عصموا منها ﴿وَمَأْوَاـاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ وقد مر بيانه، وفي الآية مباحث :
البحث الأول : كيف تعلق ﴿ذَالِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بما سبق وهو قوله :﴿عَمُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (التحريم : ٧) ؟
فنقول : نبههم تعالى على دفع العذاب في ذلك اليوم بالتوبة في هذا اليوم، إذ في ذلك اليوم لا تفيد وفيه لطيفة : وهي أن التنبيه على الدفع بعد الترهيب فيما مضى يفيد الترغيب بذكر أحوالهم والإنعام في حقهم وإكرامهم.
البحث الثاني : أنه تعالى لا يخزي النبي في ذلك اليوم ولا الذين آمنوا، فما الحاجة إلى قوله ﴿مَعَه ﴾ ؟
فنقول : هي إفادة الاجتماع، يعني لا يخزي الله المجموع الذي يسعى نورهم وهذه فائدة عظيمة، إذ الاجتماع بين الذين آمنوا وبين نبيهم تشريف في حقهم وتعظيم.
البحث الثالث : قوله :﴿وَاغْفِرْ لَنَآ ﴾ يوهم أن الذنب لازم لكل واحد من المؤمنين والذنب لا يكون لازماً، فنقول : يمكن أن يكون طلب المغفرة لما هو اللازم لكل ذنب، وهو التقصير في الخدمة والتقصير لازم لكل واحد من المؤمنين.
البحث الرابع : قال تعالى في أول السورة :﴿عِلْمَا * يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ﴾ (التحريم : ١) ومن بعده ﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ جَـاهِدِ الْكُفَّارَ﴾ خاطبه بوصفه وهو النبي لا باسمه كقوله لآدم يا آدم، ولموسى يا موسى ولعيسى يا عيسى، نقول : خاطبه بهذا الوصف، ليدل على فضله عليهم وهذا ظاهر.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٧٧
البحث الخامس : قوله تعالى :﴿وَمَأْوَاـاهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ يدل على أن مصيرهم بئس المصير مطلقاً إذ المطلق يدل على الدوام، وغير المطلق لا يدل لما أنه يطهرهم عن الآثام.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٧٧
٥٧٧
قوله :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا﴾ أي بين حالهم بطريق التمثيل أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم من غير اتقاء ولا محاباة، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كانوا فيه من القرابة بينهم وبين نبيهم وإنكارهم للرسول صلى الله عليه وسلّم، فيما جاء به من عند الله وإصرارهم عليه، وقطع العلائق، وجعل الأقارب من جملة الأجانب بل أبعد منهم وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبياً كحال امرأة نوح ولوط، لما خانتاهما لم يغن هذان الرسولان وقيل لهما في اليوم الآخر ادخلا النار ثم بين حال المسلمين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم كحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله تعالى مع كونها زوجة ظالم من أعداء الله تعالى، ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة، والاصطفاء على نساء العالمين مع أن قومها كانوا كفاراً، وفي ضمن هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين، وهما حفصة وعائشة لما فرط منهما وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده لما في التمثيل من ذكر الكفر، وضرب مثلاً آخر في امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، وقيل : هي عمة موسى عليه السلام آمنت حين سمعت قصة إلقاء موسى عصاه، وتلقف العصا، فعذبها فرعون عذاباً شديداً بسبب الإيمان، وعن أبي هريرة أنه وتدها بأربعة أوتاد، واستقبل بها الشمس، وألقى عليها صخرة عظيمة، فقالت : رب نجني من فرعون فرقى بروحها إلى الجنة، فألقيت الصخرة على / جسد لا روح فيه، قال الحسن. رفعها إلى الجنة تأكل فيها وتشرب، وقيل : لما قالت :﴿رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ﴾ رأت بيتها في الجنة يبنى لأجلها، وهو من درة واحدة، والله أعلم كيف هو وما هو ؟
وفي الآية مباحث :
البحث الأول : ما فائدة قوله تعالى ﴿مِنْ عِبَادِنَا﴾ ؟
نقول : هو على وجهين أحدهما : تعظيماً لهم كما مر الثاني : إظهاراً للعبد بأنه لا يترجح على الآخر عنده إلا بالصلاح.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٧٧


الصفحة التالية
Icon