المسألة الرابعة : احتج من فضل السمع على البصر بهذه الآية، وقالوا : دلت الآية على أن للسمع مدخلاً في الخلاص عن النار والفوز بالجنة، والبصر ليس كذلك، فوجب أن يكون السمع أفضل.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٨٩
٥٨٩
واعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار هذا القول قال :﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنابِهِمْ﴾ قال مقاتل : يعني بتكذيبهم الرسول وهو قولهم :﴿فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ﴾ (الملك : ٩) وقوله :﴿بِذَنابِهِمْ﴾ فيه قولان : أحدهما : أن الذنب ههنا في معنى الجمع، لأن فيه معنى الفعل، كما يقال : خرج عطاء الناس، أي عطياتهم هذا قول الفراء والثاني : يجوز أن يراد بالواحد المضاف الشائع، كقوله :﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ (النحل : ٣٤).
ثم قال :﴿فَسُحْقًا لِّأَصْحَـابِ السَّعِيرِ﴾ قال المفسرون : فبعداً لهم اعترفوا أو جحدوا، فإن ذلك لا ينفعهم، والسحق البعد، وفيه لغتان : التخفيف والتثقيل، كما تقول في العنق والطنب، قال الزجاج : سحقاً منصوب على المصدر، والمعنى أسحقهم الله سحقاً، أي باعدهم الله من رحمته مباعدة، وقال أبو علي الفارسي : كان القياس سحاقاً، فجاء المصدر على الحذف كقولهم : عمرك الله. / واعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الكفار أتبعه بوعد المؤمنين فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٨٩
٥٩٠
وفيه وجهان الوجه الأول : أن المراد : إن الذين يخشون ربهم وهم في دار التكليف والمعارف النظرية وبهم حاجة إلى مجاهدة الشيطان ودفع الشبه بطريق الاستدلال الوجه الثاني : أن هذا إشارة إلى كونه متقياً من جميع المعاصي لأن من يتقي معاصي الله في الخلوة اتقاها حيث يراه الناس لا محالة، واحتج أصحابنا بهذه الآية على انقطاع وعيد الفساق فقالوا : دلت الآية على أن من كان موصوفاً بهذه الخشية فله الأجر العظيم، فإذا جاء يوم القيامة مع الفسق ومع هذه الخشية، فقد حصل الأمران فإما أن يثاب ثم يعاقب وهو بالإجماع باطل أو يعاقب ثم ينقل إلى دار الثواب وهو المطلوب.
واعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الكفار ووعد المؤمنين على سبيل المغايبة رجع بعد ذلك إلى خطاب الكفار فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٩٠
٥٩٢
وفيه وجهان : الوجه الأول : قال ابن عباس كانوا ينالون من رسول الله فيخبره جبريل فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فأنزل الله هذه الآية القول الثاني : أنه خطاب عام لجميع الخلق في جميع الأعمال، والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل وجد، فالحال واحد في علمه تعالى بهذا فاحذروا من المعاصي سراً كما تحترزون عنها جهراً فإنه لا يتفاوت ذلك بالنسبة إلى علم الله تعالى، وكما بين أنه تعالى عالم بالجهر وبالسر بين أنه عالم بخواطر القلوب.
ثم إنه تعالى لما ذكر كونه عالماً بالجهر وبالسر وبما في الصدور ذكر الدليل على كونه عالماً بهذه الأشياء فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٩٢
٥٩٢
وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon