وأما قوله تعالى :﴿وَقِيلَ هَاذَا الَّذِى كُنتُم بِه تَدَّعُونَ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال بعضهم : القائلون هم الزبانية، وقال آخرون : بل يقول بعضهم لبعض ذلك.
المسألة الثانية : في قوله :﴿تَدَّعُونَ﴾ وجوه : أحدها : قال الفراء : يريد تدعون من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون به، وتدعون وتدعون واحد في اللغة مثل تذكرون وتذكرون وتدخرون وتدخرون وثانيها : أنه من الدعوى معناه : هذا الذي كنتم تبطلونه أي تدعون أنه باطل لا يأتيكم أو هذا الذي كنتم بسببه وتدعون أنكم لا تبعثون وثالثها : أن يكون هذا استفهاماً على سبيل الإنكار، والمعنى أهذا الذي تدعون، لا بل كنتم تدعون عدمه.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٩٧
المسألة الثالثة : قرأ يعقوب الحضرمي ﴿تَدَّعُونَ﴾ خفيفة من الدعاء، وقرأ السبعة ﴿تَدَّعُونَ﴾ مثقلة من الادعاء.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٩٧
٥٩٨
اعلم أن هذا الجواب هو من النوع الثاني مما قاله الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلّم حين خوفهم بعذاب الله، يروى أن كفار مكة كانوا يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعلى المؤمنين بالهلاك، كما قال تعالى :﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِه رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ (الطور : ٣٠) وقال :﴿بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى ا أَهْلِيهِمْ أَبَدًا﴾ (الفتح : ١٢) ثم إنه تعالى أجاب عن ذلك من وجهين الوجه الأول : هو هذه الآية، والمعنى قل لهم : إن الله تعالى سواء أهلكني بالإماتة أو رحمني بتأخير الأجل، فأي راحة لكم في ذلك، وأي منفعة لكم فيه، ومن الذي يجيركم من عذاب الله إذا نزل بكم، أتظنون أن الأصنام تجيركم أو غيرها، فإذا علمتم أن لا مجير لكم فهلا تمسكتم بما يخلصكم من العذاب وهو العلم بالتوحيد والنبوة والبعث. الوجه الثاني : في الجواب قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٩٨
٥٩٨
والمعنى أنه الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فيعلم أنه لا يقبل دعاءكم وأنتم أهل الكفر والعناد في حقنا، مع أنا آمنا به ولم نكفر به كما كفرتم، ثم قال :﴿وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ لا على غيره كما فعلتم أنتم حيث توكلتم على رجالكم وأموالكم، وقرىء ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ على المخاطبة، وقرىء بالياء ليكون على وفق قوله :﴿فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ﴾ (الكافرين : ٢٨).
واعلم أنه لما ذكر أنه يجب أن يتوكل عليه لا على غيره، ذكر الدليل عليه.
[بم فقال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٩٨
٥٩٩
والمقصود أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر، أي أخبروني إن صار ماؤكم ذاهباً في الأرض فمن يأتيكم بماء معين، فلا بد وأن يقولوا : هو الله، فيقال لهم حينئذ : فلم تجعلون من لا يقدر على شيء أصلاً شريكاً له في المعبودية ؟
وهو كقوله :﴿أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾ (الواقعة : ٦٨، ٦٩) وقوله :﴿غَوْرًا﴾ أي غائراً ذاهباً في الأرض يقال : غار الماء يغور غوراً، إذا نضب وذهب في الأرض، والغور ههنا بمعنى الغائر سمي بالمصدر كما يقال : رجل عدل ورضا، والمعين الظاهر الذي تراه العيون فهو من مفعول العين كمبيع، وقيل : المعين الجاري من العيون من الإمعان في الجري كأنه قيل : ممعن في الجري، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٥٩٩
٦٠٢


الصفحة التالية
Icon