أي يتسارون فيما بينهم، وخفي وخفت وخفد ثلاثتها في معنى كتم ومنه الخفدود للخفاش، قال ابن عباس : غدوا إليها بصدفة يسر بعضهم إلى بعض الكلام لئلا يعلم أحد من الفقراء والمساكين.
[بم ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٠٩
٦٠٩
﴿ءَانٍ﴾ مفسرة، وقرأ ابن مسعود بطرحها بإضمار القول أي يتخافتون يقولون لا يدخلها والنهي للمسكين عن الدخول نهي لهم عن تمكينه منه، أي لا تمكنوه من الدخول (حتى يدخل)، كقولك لا أرينك ههنا. ثم قال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٠٩
٦٠٩
وفيه أقوال : الأول : الحرد المنع يقال : حاردت السنة إذا قل مطرها ومنعت ريعها، وحاردت الناقة إذا منعت لبنها فقل اللبن، والحرد الغضب، وهما لغتان الحرد والحرد والتحريك أكثر، وإنما سمي الغضب بالحرد لأنه كالمانع من أن يدخل المغضوب منه في الوجود، والمعنى وغدوا وكانوا عند أنفسهم وفي ظنهم قادرين على منع المساكين الثاني : قيل : الحرد القصد والسرعة، يقال : حردت حردك قال الشاعر :
أقبل سيل جاء من أمر الله
يحرد حرد الجنة المغلة
وقطاً حراد أي سراع، يعني وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة ونشاط قادرين عند أنفسهم يقولون : نحن نقدر على صرامها، ومنع منفعتها عن المساكين والثالث : قيل : حرد علم لتلك الجنة أي غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم، أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٠٩
٦١٠
فيه وجوه أحدها : أنهم لما رأوا جنتهم محترقة ظنوا أنهم قد ضلوا الطريق فقالوا :﴿إِنَّا لَضَآلُّونَ﴾ ثم لما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا :﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ حرمنا خيرها بشؤم عزمنا على البخل ومنع الفقراء وثانيها : يحتمل / أنهم لما رأوا جنتهم محترقة قالوا : إنا لضالون حيث كنا عازمين على منع الفقراء، وحيث كنا نعتقد كوننا قادرين على الانتفاع بها، بل الأمر انقلب علينا فصرنا نحن المحرومين.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦١٠
٦١٠
قوله تعالى :﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ يعني أعدلهم وأفضلهم وبينا وجهه في تفسير قوله :﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة : ١٤٣). ﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ يعني هلا تسبحون وفيه وجوه الأول : قال الأكثرون معناه هلا تستثنون فتقولون : إن شاء الله، لأن الله تعالى إنما عابهم بأنهم لا يستثنون، وإنما جاز تسمية قول : إن شاء الله بالتسبيح لأن التسبيح عبارة عن تنزيه الله عن كل سوء، فلو دخل شيء في الوجود على خلاف إرادة الله، لكان ذلك يوجب عودة نقص إلى قدرة الله، فقولك : إن شاء الله، يزيل هذا النقص، فكان ذلك تسبيحاً.
واعلم أن لفظ القرآن يدل على أن القوم كانوا يحلفون ويتركون الاستثناء وكان أوسطهم ينهاهم عن ترك الاستثناء ويخوفهم من عذاب الله، فلهذا حكى عن ذلك الأوسط أنه قال بعد وقوع الواقعة :﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾. الثاني : أن القوم حين عزموا على منع الزكاة واغتروا بمالهم وقوتهم قال الأوسط لهم : توبوا عن هذه المعصية قبل نزول العذاب، فلما رأوا العذاب ذكرهم ذلك الكلام الأول وقال :﴿لَوْلا تُسَبِّحُونَ﴾ فلا جرم اشتغل القوم في الحال بالتوبة و:
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦١٠
٦١٠
فتكلموا بما كان يدعوهم إلى التكلم به لكن بعد خراب البصرة الثالث : قال الحسن : هذا التسبيح هو الصلاة كأنهم كانوا يتكاسلون في الصلاة وإلا لكانت ناهية لهم عن الفحشاء والمنكر ولكانت داعية لهم إلى أن يواظبوا على ذكر الله وعلى قول : إن شاء الله، ثم إنه تعالى لما حكى عن ذلك الأوسط أنه أمرهم بالتوبة وبالتسبيح حكى عنهم أشياء أولها : أنهم اشتغلوا بالتسبيح وقالوا في الحال سبحان ربنا عن أن يجري في ملكه شيء إلا بإرادته ومشيئته، ولما وصفوا الله تعالى بالتنزيه والتقديس اعترفوا بسوء أفعالهم وقالوا إنا كنا ظالمين. وثانيها :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦١٠
٦١٠
أي يلوم بعضهم بعضاً يقول : هذا لهذا أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول : ذاك لهذا أنت خوفتنا بالفقر، ويقول الثالث لغيره : أنت الذي رغبتني في جمع المال فهذا هو التلاوم. / ثم نادوا على أنفسهم بالويل :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦١٠
٦١١
والمراد أنهم استعظموا جرمهم. ثم قالوا عند ذلك :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦١١
٦١١
﴿عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَآ﴾ قرىء ﴿يُبْدِلَنَا﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ طالبون منه الخير راجون لعفوه، واختلف العلماء ههنا، فمنهم من قال إن ذلك كان توبة منهم، وتوقف بعضهم في ذلك قالوا : لأن هذا الكلام يحتمل أنهم إنما قالوه رغبة منهم في الدنيا.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦١١
٦١١


الصفحة التالية
Icon