السؤال الثاني : ما المراد من قوله :﴿نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّه ﴾ ؟
الجواب : المراد من تلك النعمة، هو أنه تعالى أنعم عليه بالتوفيق للتوبة، وهذا يدل على أنه لا يتم شيء من الصالحات والطاعات إلا بتوفيقه وهدايته.
السؤال الثالث : أين جواب لولا ؟
الجواب : من وجهين الأول : تقدير الآية : لولا هذه النعمة لنبذ بالعراء مع وصف المذمومية، فلما حصلت هذه النعمة لا جرم لم يوجد النبذ بالعراء مع هذا الوصف، لأنه لما فقد هذا الوصف : فقد فقد ذلك المجموع الثاني : لولا هذه النعمة لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، ثم نبذ بعراء القيامة مذموماً، ويدل على هذا قوله :﴿فَلَوْلا أَنَّه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِى بَطْنِه إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (الاصفات : ١٤٣، ١٤٤) وهذا كما يقال : عرصة القيامة ؛ وعراء القيامة.
السؤال الرابع : هل يدل قوله :﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ على كونه فاعلاً للذنب ؟
الجواب : من ثلاثة أوجه الأول : أن كلمة ﴿لَّوْلا﴾ دلت على أن هذه المذمومية لم تحصل الثاني : لعل المراد من المذمومية ترك الأفضل، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين الثالث : لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوة لقوله :﴿فَاجْتَبَـاهُ رَبُّه ﴾ (القلم : ٥٠) والفاء للتعقيب.
السؤال الخامس : ما سبب نزول هذه الآيات ؟
الجواب : يروى أنها نزلت بأحد حين حل برسول الله ما حل، فأراد أن يدعوا على الذين انهزموا، وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦١٩
٦٢٠
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : في الآية وجهان أحدهما : قال ابن عباس : رد الله إليه الوحي وشفعه في قومه والثاني : قال قوم : ولعله ما كان رسولاً صاحب وحي قبل هذه الواقعة ثم بعد هذه الواقعة جعله الله رسولاً، وهو المراد من قوله :﴿فَاجْتَبَـاهُ رَبُّه ﴾ والذين أنكروا الكرامات والإرهاص لا بد وأن يختاروا القول الأول. لأن احتباسه في بطن الحوت وعدم موته هناك لما لم يكن إرهاصاً ولا كرامة فلا بد وأن يكون معجزة وذلك يقتضي أنه كان رسولاً في تلك الحالة.
المسألة الثانية : احتج الأصحاب على أن فعل العبد خلق الله تعالى بقوله :﴿فَجَعَلَه مِنَ الصَّـالِحِينَ﴾ فالآية تدل على أن ذلك الصلاح إنما حصل بجعل الله وخلقه، قال الجبائي : يحتمل أن يكون معنى جعله أنه أخبر بذلك، ويحتمل أن يكون لطف به حتى صلح إذ الجعل يستعمل في اللغة في هذه المعاني والجواب : أن هذين الوجهين اللذين ذكرتم مجاز، والأصل في الكلام الحقيقة.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٠
٦٢٠
قوله تعالى :﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : إن مخففة من الثقيلة واللام علمها.
المسألة الثانية : قرىء :﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ بضم الياء وفتحها، وزلقه وأزلقه بمعنى ويقال : زلق / الرأس وأزلقه حلقه، وقرىء ليزهقونك من زهقت نفسه وأزهقها، ثم فيه وجوه أحدها : أنهم من أشدة تحديقهم ونظرهم إليك شزراً بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك من قولهم : نظر إليَّ نظراً يكاد يصرعني، ويكاد يأكلني، أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله، قال الشاعر :
يتقارضون إذا التقوا في موطن
نظراً يزل مواطىء الأقدام
وأنشد ابن عباس لما مر بأقوام حددوا النظر إليه :
نظروا إلي بأعين محمرة
نظر التيوس إلى شفار الجازر
وبين الله تعالى أن هذا النظر كان يشتد منهم في حال قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم للقرآن وهو قوله :﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ الثاني : منهم من حمله على الإصابة بالعين، وههنا مقامان أحدهما : الإصابة بالعين، هل لها في الجملة حقيقة أم لا ؟
الثاني : أن بتقدير كونها صحيحة، فهل الآية ههنا مفسرة بها أم لا ؟
المقام الأول : من الناس من أنكر ذلك، وقال : تأثير الجسم في الجسم لا يعقل إلا بواسطة المماسة، وههنا لا مماسة، فامتنع حصول التأثير.
واعلم أن المقدمة الأولى ضعيفة، وذلك لأن الإنسان إما أن يكون عبارة عن النفس أو عن البدن، فإن كان الأول لم يمتنع اختلاف النفوس في جواهرها وماهياتها، وإذا كان كذلك لم يمتنع أيضاً اختلافها في لوازمها وآثارها، فلا يستبعد أن يكون لبعض النفوس خاصية في التأثير، وإن كان الثاني لم يمتنع أيضاً أن يكون مزاج إنسان واقعاً على وجه مخصوص يكون له أثر خاص، وبالجملة فالاحتمال العقلي قائم، وليس في بطلانه شبهة فضلاً عن حجة، والدلائل السمعية ناطقة بذلك، كما يروى أنه عليه الصلاة والسلام قال :"العين حق" وقال :"العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر".


الصفحة التالية
Icon