المسألة الثانية : قراءة العامة :﴿وَتَعِيَهَآ﴾ بكسر العين، وروى عن ابن كثير ﴿وَتَعِيَهَآ﴾ ساكنة العين كأنه جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة فخذ، فأسكن كما أسكن الحرف المتوسط من فخذ وكبد وكتف، وإنما فعل ذلك لأن حرف المضارعة لا ينفصل من الفعل، فأشبه ما هو من نفس الكلمة، وصار كقول من قال : وهو وهي ومثل ذلك قوله :﴿وَيَتَّقْهِ﴾ (النور : ٥٢) في قراءة من سكن القاف.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٥
واعلم أنه تعالى لما حكى هذه القصص الثلاث ونبه بها عن ثبوت القدرة والحكمة للصانع فحينئذ ثبت بثبوت القدرة إمكان القيامة، وثبت بثبوت الحكمة إمكان وقوع القيامة.
ولما ثبت ذلك شرع سبحانه في تفاصيل أحوال القيامة فذكر أولاً مقدماتها. فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٥
٦٢٥
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرىء ﴿نَفْخَةٌ﴾ بالرفع والنصب، وجه الرفع أسند الفعل إليها، وإنما حسن تذكير الفعل للفصل، ووجه النصب أن الفعل مسند إلى الجار والمجرور ثم نصب نفخة على المصدر.
المسألة الثانية : المراد من هذه النفخة الواحدة هي النفخة الأولى لأن عندها يحصل خراب العالم، فإن قيل : لم قال بعد ذلك ﴿يَوْمَـاـاِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ (الحاقة : ١٨) والعرض إنما يكون عند النفخة الثانية ؟
قلنا : جعل اليوم اسماً للحين الواسع الذي تقع فيه النفختان، والصعقة والنشور، والوقوف والحساب، فلذلك قال :﴿يَوْمَـاـاِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ كما تقول : جئته عام كذا، وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٥
٦٢٦
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : رفعت الأرض والجبال، إما بالزلزلة التي تكون في القيامة، وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنها تحمل الأرض والجبال، أو بملك من الملائكة أو بقدرة الله من غير / سبب فدكتا، أي فدكت الجملتان جملة الأرض وجملة الجبال، فضرب بعضها ببعض، حتى تندق وتصير كثيباً مهيلاً وهباء منبثاً والدك أبلغ من الدق، وقيل : فبسطتا بسطة واحدة فصارتا أرضاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً من قولك : اندك السنام إذا انفرش، وبعير أدك وناقة دكاء ومنه الدكان.
المسألة الثانية : قال الفراء : لا يجوز في دكة ههنا إلا النصب لارتفاع الضمير في دكتا، ولم يقل : فدككن لأنه جعل الجبال كالواحدة والأرض كالواحدة، كما قال :﴿أَنَّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ (الأنبياء : ٣٠) ثم قال تعالى ولم يقل : كن.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٦
٦٢٧
أي فيومئذ قامت القيامة الكبرى وانشقت السماء لنزول الملائكة :﴿فَهِىَ يَوْمَـاـاِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ أي مسترخية ساقطة القوة ﴿كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾ بعدما كانت محكمة شديدة.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٢٧
٦٢٨
ثم قال تعالى :﴿وَالْمَلَكُ عَلَى ا أَرْجَآاـاِهَا ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله :﴿وَالْمَلَكُ﴾ لم يرد به ملكاً واحداً، بل أراد الجنس والجمع.
المسألة الثانية : الأرجاء في اللغة النواجي يقال : رجا ورجوان والجمع الأرجاء، ويقال ذلك لحرف البئر وحرف القبر وما أشبه ذلك، والمعنى أن السماء إذا انشقت عدلت الملائكة عن مواضع الشق إلى جوانب السماء، فإن قيل : الملائكة يموتون في الصعقة الأولى، لقوله :﴿فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَن فِى الارْضِ﴾ (الزمر : ٦٨) فكيف يقال : إنهم يقفون على أرجاء السماء ؟
قلنا : الجواب من وجهين : الأول : أنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ثم يموتون الثاني : أن المراد الذين استثناهم الله في قوله :﴿إِلا مَن شَآءَ اللَّه ﴾ (الزمر : ٦٨).
قوله تعالى :﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَـاـاِذٍ ثَمَـانِيَةٌ﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا العرش هو الذي أراده الله بقوله ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ﴾ (غافر : ٧) وقوله :﴿وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ (الزمر : ٧٥).
المسألة الثانية : الضمير في قوله :﴿فَوْقَهُمْ﴾ إلى ماذا يعود ؟
فيه وجهان الأول : وهو الأقرب أن المراد فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء والمقصود التمييز بينهم وبين الملائكة الذين هم حملة العرش الثاني : قال مقاتل : يعني أن الحملة يحملون العرش فوق رؤوسهم. و(مجيء) الضمير قبل الذكر جائز كقوله : في بيته يؤتي الحكم.