والوجه الثاني : أن يكون ذلك من السيلان ويؤيده قراءة ابن عباس سال سيل والسيل مصدر في معنى السائل، كالغور بمعنى الغائر، والمعنى اندفع عليهم واد بعذاب، وهذا قول زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد قالا : سال واد من أودية جهنم بعذاب واقع. أما ﴿سَآاـاِلُ ﴾، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز فيه غير الهمز لأنه إن كان من سأل المهموز فهو بالهمز، وإن لم يكن من المهموز كان بالهمز أيضاً نحو قائل وخائف إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين، وقوله تعالى :﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَـافِرِينَ﴾ فيه وجهان، وذلك لأنا إن فسرنا قوله :﴿سَأَلَ﴾ بما ذكرنا من أن النضر طلب العذاب، كان المعنى أنه طلب طالب عذاباً هو واقع لا محالة سواء طلب أو لم يطلب، وذلك لأن ذلك العذاب نازل للكافرين في الآخرة واقع بهم لا يدفعه عنهم أحد، وقد وقع بالنضر في الدنيا لأنه قتل يوم بدر، وهو المراد من قوله :﴿لَيْسَ لَه دَافِعٌ﴾ وأما إذا فسرناه بالوجه الثاني وهو أنهم سألوا الرسول عليه السلام، أن هذا العذاب بمن ينزل فأجاب الله تعالى عنه بأنه واقع للكافرين/ والقول الأول وهو السديد، وقوله :﴿مِنَ اللَّهِ﴾ فيه وجهان الأول : أن يكون تقدير الآية بعذاب واقع من الله للكافرين الثاني : أن يكون التقدير ليس له دافع من الله، أي ليس لذلك العذاب الصادر من الله دافع من جهته، فإنه إذا أوجبت الحكمة وقوعه امتنع أن لا يفعله الله وقوله :﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ المعارج جمع معرج وهو المصعد، ومنه قوله تعالى :﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ (الزخرف : ٣٣) والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً أحدها : قال ابن عباس في رواية الكلبي :﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾، أي ذي السموات، وسماها معارج لأن الملائكة يعرجون فيها وثانيها : قال قتادة : ذي الفواضل والنعم وذلك لأن لأياديه ووجوه إنعامه مراتب، وهي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة وثالثها : أن المعارج هي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنة، وعندي فيه وجه رابع : وهو أن هذه السموات كما أنها متفاوتة في الارتفاع والانخفاض والكبر والصغر، فكذا الأرواح الملكية مختلفة في القوة والضعف والكمال والنقص وكثرة المعارف الإلهية وقوتها وشدة القوة على تدبير هذا العالم وضعف تلك القوة، ولعل نور إنعام الله وأثر فيض رحمته لا يصل إلى هذا العالم إلا بواسطة تلك الأرواح، إما على سبيل العادة أولا كذلك على ما قال :﴿فَالْمُقَسِّمَـاتِ أَمْرًا﴾ (الذاريات : ٤)، ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ (النازعات : ٥) فالمراد بقوله :﴿مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾ الإشارة إلى تلك الأرواح. المختلفة التي هي كالمصاعد لارتفاع مراتب الحاجات من هذا العالم إليها وكالمنازل لنزول أثر الرحمة من ذلك العالم إلى ما ههنا.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٤٠
٦٤٠
وههنا مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن عادة الله تعالى في القرآن أنه متى ذكر الملائكة في معرض / التهويل والتخويف أفرد الروح بعدهم بالذكر، كما في هذه الآية، وكما في قوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَـا اـاِكَةُ صَفًّا ﴾ (النبأ : ٣٨) وهذا يقتضي أن الروح أعظم (من) الملائكة قدراً، ثم ههنا دقيقة وهي أنه تعالى ذكر عند العروج الملائكة أولاً والروح ثانياً، كما في هذه الآية، وذكر عند القيام الروح أولاً والملائكة ثانياً، كما في قوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَـا اـاِكَةُ صَفًّا ﴾ وهذا يقتضي كون الروح أولاً في درجة النزول وآخراً في درجة الصعود، وعند هذا قال بعض المكاشفين : إن الروح نور عظيم هو أقرب الأنوار إلى جلال الله، ومنه تتشعب أرواح سائر الملائكة والبشر في آخر درجات منازل الأرواح، وبين الطرفين معارج مراتب الأرواح الملكية ومدارج منازل الأنوار القدسية، ولا يعلم كميتها إلا الله، وأما ظاهر قول المتكلمين وهو أن الروح هو جبريل عليه السلام فقد قررنا هذه المسألة في تفسير قوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَـا اـاِكَةُ صَفًّا ﴾ (النبأ : ٣٨).


الصفحة التالية
Icon