﴿فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه ا أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (السجدة : ٥) فقال : أيام سماها الله تعالى هو أعلم بها كيف تكون، وأكره أن أقول فيها مالا أعلم، فإن قيل : فما قولكم في التوفيق بين هاتين الآيتين ؟
قلنا : قال وهب في الجواب عن هذا ما بين أسفل العالم إلى أعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة ومن أعلى السماء الدنيا إلى الأرض مسيرة ألف سنة، لأن عرض كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة أخرى، فقوله تعالى :﴿فِى يَوْمٍ﴾ يريد من أيام الدنيا وهو مقدار ألف سنة لو صعدوا فيه إلى سماء الدنيا، ومقدار ألف سنة لو صعدوا إلى أعالي العرش.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٤٠
٦٤١
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : اعلم أن هذا متعلق بسأل سائل، لأن استعجال النضر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول الله والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يضجر رسول الله صلى الله عليه وسلّم / فأمر بالصبر عليه، وكذلك من يسأل عن العذاب لمن هو فإنما يسأل على طريق التعنت من كفار مكة، ومن قرأ :﴿سَأَلَ سَآاـاِلُ ﴾ فمعناه جاء العذاب لقرب وقوعه فاصبر فقد جاء وقت الانتقام.
المسألة الثانية : قال الكلبي : هذه الآية نزلت قبل أن يؤمر الرسول بالقتال.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٤١
٦٤٢
الضمير في ﴿يَرَوْنَه ﴾ إلى ماذا يعود ؟
فيه وجهان الأول : أنه عائد إلى العذاب الواقع والثاني : أنه عائد إلى :﴿يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُه خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (المعارج : ٤) أي يستبعدونه على جهة الإحالة نحن ﴿يَكُونَ قَرِيبًا﴾ هيناً في قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذر. فالمراد بالبعيد البعيد من الإمكان، وبالقريب القريب منه.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٤٢
٦٤٢
فيه مسألتان :
المسألة الأولى :﴿يَوْمَ تَكُونُ﴾ منصوب بماذا ؟
فيه وجوه أحدها : بقريباً، والتقدير : ونراه قريباً، يوم تكون السماء كالمهل، أي يمكن ولا يتعذر في ذلك اليوم وثانيها : التقدير : سأل سائل بعذاب واقع يوم تكون السماء كالمهل والثالث : التقدير يوم تكون السماء كالمهل كان كذا وكذا والرابع : أن يكون بدلاً من يوم، والتقدير سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم تكون السماء كالمهل.
المسألة الثانية : أنه ذكر لذلك اليوم صفات :
الصفة الأولى : أن السماء تكون فيه كالمهل وذكرنا تفسير المهل عند قوله :﴿بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ﴾ قال ابن عباس : كدردى الزيت، وروى عنه عطاء : كعكر القطران، وقال الحسن : مثل الفضة إذا أذيبت، وهو قول ابن مسعود.
الصفة الثانية : أن تكون الجبال فيه كالعهن، ومعنى العهن في اللغة : الصوف المصبوغ ألواناً، وإنما وقع التشبيه به، لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود فإذا بست وطيرت في الجو أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.
الصفة الثالثة : قوله :﴿وَلا يَسْـاَلُ حَمِيمٌ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال ابن عباس الحميم القريب الذي يعصب له، وعدم السؤال إنما كان لاشتغال كل أحد بنفسه، وهو كقوله :﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ (الحج : ٢) وقوله :﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ﴾ إلى قوله ﴿لِكُلِّ امْرِى ٍ مِّنْهُمْ يَوْمَـاـاِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ (عبس : ٣٧) ثم في الآية وجوه أحدها : أن يكون / التقدير : لا يسأل حميم عن حميمه فحذف الجار وأوصل الفعل الثاني : لا يسأل حميم حميمه كيف حالك ولا يكلمه، لأن لكل أحد ما يشغله عن هذا الكلام الثالث : لا يسأل حميم حميماً شفاعة، ولا يسأل حميم حميماً إحساناً إليه ولا رفقاً به.
المسألة الثانية : قرأ ابن كثير :﴿وَلا يَسْـاَلُ﴾ بضم الياء، والمعنى لا يسأل حميم عن حميمه ليتعرف شأنه من جهته، كما يتعرف خبر الصديق من جهة صديقه، وهذا أيضاً على حذف الجار قال الفراء : أي لا يقال لحميم أين حميمك ولست أحب هذه القراءة لأنها مخالفة لما أجمع عليه القراء.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٤٢
٦٤٣