المسألة الأولى : ذكر في الآية الأولى أنهم عصوه وفي هذه الآية أنهم ضموا إلى عصيانه معصية أخرى وهي طاعة رؤسائهم الذين يدعونهم إلى الكفر، وقوله :﴿مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُه وَوَلَدُهُ ا إِلا خَسَارًا﴾ يعني هذان وإن كانا من جملة المنافع في الدنيا إلا أنهما لما صارا سبباً للخسارة في الآخرة فكأنهما صارا محض الخسار والأمر كذلك في الحقيقة لأن الدنيا في جنب الآخرة كالعدم فإذا صارت المنافع الدنيوية أسباباً للخسار في الآخرة صار ذلك جارياً مجرى اللقمة الواحدة من الحلو إذا كانت مسمومة سم الوقت، واستدل بهذه الآية من قال : إنه ليس لله على الكافر نعمة لأن هذه النعم استدراجات ووسائل إلى العذاب الأبدي فكانت كالعدم، ولهذا المعنى قال نوح عليه السلام في هذه الآية :﴿لَّمْ يَزِدْهُ مَالُه وَوَلَدُهُ ا إِلا خَسَارًا﴾.
المسألة الثانية : قرىء ﴿وَوَلَدُهُ﴾ بضم الواو واعلم أن الولد بالضم لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعاً إما جمع ولد كالفلك، وههنا يجوز أن يكون واحداً وجمعاً.
النوع الثالث : من قبائح أفعالهم قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٥٩
٦٥٩
فيه مسائل :
المسألة الأولى :﴿وَمَكَرُوا ﴾ معطوف على ﴿مَن لَّمْ يَزِدْهُ﴾ (نوح : ٢١) لأن المتبوعين هم الذين مكروا وقالوا للأتباع :﴿لا تَذَرُنَّ﴾، وجمع الضمير وهو راجع إلى ﴿مِّنَ﴾، لأنه في معنى الجمع.
المسألة الثانية : قرىء ﴿كُبَّارًا﴾ و﴿كُبَّارًا﴾ بالتخفيف والتثقيل، وهو مبالغة في الكبير، فأول المراتب الكبير، والأوسط الكبار بالتخفيف، والنهاية الكبار بالتثقيل، ونظيره : جميل وجمال وجمال، وعظيم وعظام وعظام، وطويل وطوال وطوال.
المسألة الثالثة : المكر الكبار هو أنهم قالوا لأتباعهم :﴿وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا﴾ فهم منعوا القوم عن التوحيد، وأمروهم بالشرك، ولما كان التوحيد أعظم المراتب، لا جرم كان المنع منه أعظم الكبائر فلهذا وصفه الله تعالى بأنه كبار، واستدل بهذا من فضل علم الكلام على سائر العلوم، فقال : الأمر بالشرك كبار في القبح والخزي، فالأمر بالتوحيد والإرشاد وجب أن يكون كباراً في الخير والدين.
المسألة الرابعة : أنه تعالى إنما سماه ﴿مَكْرًا﴾ لوجهين الأول : لما في إضافة الإلهية إليهم من الحيلة الموجبة لاستمرارهم على عبادتها، كأنهم قالوا : هذه الأصنام آلهة لكم، وكانت آلهة لآبائكم، فلو قبلتم قول نوح لاعترفتم على أنفسكم بأنكم كنتم جاهلين ضالين كافرين، وعلى آبائكم بأنهم كانوا كذلك، ولما كان اعتراف الإنسان على نفسه، وعلى جميع أسلافه بالقصور والنقص والجهل شاقاً شديداً، صارت الإشارة إلى هذه المعاني بلفظ ﴿ءَالِهَتَكُمْ﴾ صارفاً لهم عن الدين، فلأجل اشتمال هذا الكلام على هذه الحيلة الخفية سمى الله كلامهم ﴿مَكْرًا﴾ الثاني : أنه تعالى حكى عن أولئك المتبوعين أنهم كان لهم مال وولد، فلعلهم قالوا لأتباعهم : إن آلهتكم خير من إله نوح، لأن آلهتكم يعطونكم المال والولد، وإله نوح لا يعطيه شيئاً لأنه فقير، فبهذا المكر صرفوهم عن طاعة نوح، وهذا مثل مكر فرعون إذ قال :﴿أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ﴾ (الزخرف : ٥١) وقال :﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَـاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ﴾ (الزخرف : ٥٢/ ٥٣).
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٥٩


الصفحة التالية
Icon