المسألة السابعة : قرىء :﴿وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا﴾ بفتح الواو وبضم الواو، قال الليث : ود بفتح الواو صنم كان لقوم نوح، ود بالضم صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن عبد ود، وأقول : على قول الليث وجب أن لا يجوز ههنا قراءة ود بالضم لأن هذه الآيات في قصة نوح لا في أحوال قريش وقرأ الأعمش :﴿وَلا﴾ بالصرف وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو عجميين ففيهما سببا منع الصرف، إما التعريف ووزن الفعل، وإما التعريف والعجمة، فلعله صرفهما لأجل أنه وجد أخواتهما منصرفة ودا وسواعا ونسرا.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٥٩
واعلم أن نوحاً لما حكى عنهم أنهم قالوا لأتباعهم :﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ﴾ قال :﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا ﴾ فيه وجهان : الأول : أولئك الرؤساء قد أضلوا كثيراً قبل هؤلاء الموصين (بأن يتمسكوا) بعبادة الأصنام وليس هذا أول مرة اشتغلوا بالإضلال الثاني : يجوز أن يكون الضمير عائداً إلى الأصنام، كقوله :﴿إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ﴾ (إبراهيم : ٣٦) وأجرى الأصنام على هذا القول مجرى الآدميين كقوله :﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ﴾، وأما قوله تعالى :﴿وَلا تَزِدِ الظَّـالِمِينَ إِلا ضَلَـالا﴾ ففيه سؤالان :
الأول : كيف موقع قوله :﴿وَلا تَزِدِ الظَّـالِمِينَ﴾ ؟
الجواب : كأن نوحاً عليه السلام لما / أطنب في تعديد أفعالهم المنكرة وأقوالهم القبيحة امتلأ قلبه غيظاً وغضباً عليهم فختم كلامه بأن دعا عليهم.
السؤال الثاني : إنما بعث ليصرفهم عن الضلال فكيف يليق به أن يدعو الله في أن يزيد في ضلالهم ؟
الجواب : من وجهين : الأول : لعله ليس المراد الضلال في أمر الدين، بل الضلال في أمر دنياهم، وفي ترويج مكرهم وحيلهم الثاني : الضلال العذاب لقوله :﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـالٍ وَسُعُرٍ﴾ (القمر : ٤٧).
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٥٩
٦٥٩
ثم إنه تعالى لما حكى كلام نوح عليه السلام قال بعده :﴿مِّمَّا خَطِى ـاَـاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :(ما) صلة كقوله :﴿فَبِمَا نَقْضِهِم﴾ (النساء : ١٥٥) ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ﴾ (النساء : ١٥٩) والمعنى من خطاياهم أي من أجلها وبسببها، وقرأ ابن مسعود :﴿مِّنَ﴾ فأخر كلمة ما، وعلى هذه القراءة لا تكون ما صلة زائدة لأن ما مع ما بعده في تقرير المصدر.
واعلم أن تقديم قوله :﴿مِّمَّا خَطِى ـاَـاتِهِمْ﴾ لبيان أنه لم يكن إغراقهم بالطوفان (فإدخالهم النار) إلا من أجل خطيآتهم، فمن قال من المنجمين : إن ذلك إنما كان بسبب أنه انقضى في ذلك الوقت نصف الدور الأعظم، وما يجري مجرى هذه الكلمات كان مكذباً لصريح هذه الآية فيجب تكفيره.
المسألة الثانية : قرىء ﴿خَطِى ـاَـاتِهِمْ﴾ بالهمزة وخطياتهم بقلبها ياء وإدغامها و﴿خَطَـايَـاهُم﴾ و﴿خَطِى ـاَـاتِهِمْ﴾ بالتوحيد على إرادة الجنس، ويجوز أن يراد به الكفر. واعلم أن الخطايا والخطيئآت كلاهما جمع خطيئة، إلا أن الأول جمع تكسير والثاني جمع سلامة، وقد تقدم الكلام فيها في (البقرة : ٥٨) عند قوله :﴿نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَـايَـاكُمْ ﴾ وفي (الأعراف : ١٦١) عند قوله :﴿خَطِى ئَـاتِكُمْ ﴾.
المسألة الثالثة : تمسك أصحابنا في إثبات عذاب القبر بقوله :﴿أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ وذلك من وجهين الأول : أن الفاء في قوله :﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ تدل على أنه حصلت تلك الحالة عقيب الإغراق فلا يمكن حملها على عذاب الآخرة، وإلا بطلت دلالة هذه الفاء الثاني : أنه قال :﴿فَأُدْخِلُوا ﴾ على سبيل الإخبار عن الماضي. وهذا إنما يصدق لو وقع ذلك، قال مقاتل والكلبي : معناه أنهم سيدخلون في الآخرة ناراً ثم عبر عن المستقبل بلفظ الماضي لصحة كونه وصدق الوعد به كقوله :﴿وَنَادَى ا أَصْحَـابُ النَّارِ﴾ (الأعراف : ٥٠)﴿وَنَادَى ا أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ﴾ (الأعراف : ٤٤) واعلم أن الذي قالوه ترك للظاهر من غير دليل. فإن قيل : إنما تركنا هذا الظاهر لدليل، وهو أن من مات في الماء فإنا نشاهده هناك فكيف يمكن أن يقال : إنهم في تلك الساعة أدخلوا ناراً ؟
والجواب : هذا الإشكال إنما جاء لاعتقاد أن الإنسان هو مجموع هذا الهيكل، وهذا خطأ لما بينا أن هذا الإنسان هو الذي كان موجوداً من أول عمره، مع أنه كان صغير الجثة في أول عمره، ثم إن أجزاءه دائماً في التحلل والذوبان، ومعلوم أن الباقي غير / المتبدل، فهذا الإنسان عبارة عن ذلك الشيء الذي هو باق من أول عمره إلى الآن، فلم لا يجوز أن يقال : إنه وإن بقيت هذه الجثة في الماء إلا أن الله تعالى نقل تلك الأجزاء الأصلية الباقية التي كان الإنسان المعين عبارة عنها إلى النار والعذاب.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٥٩


الصفحة التالية
Icon