أي منا الصالحون المتقون أي ومنا قوم دون ذلك فحذف الموصوف كقوله :﴿وَمَا مِنَّآ إِلا لَه مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ (الصافات : ١٦٤) ثم المراد بالذين هم دون الصالحين من ؟
فيه قولان : الأول : أنهم المقتصدون الذين يكونون في الصلاح غير كاملين والثاني : أن المراد من لا يكون كاملاً في الصلاح، فيدخل فيه المقتصدون والكافرون، والقدة من قدد، كالقطعة من قطع. ووصفت الطرائق بالقدد لدلالتها على معنى التقطع والتفرق، وفي تفسير الآية وجوه أحدها : المراد كنا ذوي طرائق قدداً أي ذوي مذاهب مختلفة. قال السدي : الجن أمثالكم، فيهم مرجئة وقدرية وروافض وخوارج وثانيها : كنا في اختلاف أحوالنا مثل الطرائق المختلفة وثالثها : كانت طرائقنا طرائق قدداً على حذف المضاف الذي هو الطرائق، وإقامة الضمير المضاف إليه مقامه.
النوع الحادي عشر : قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٧١
٦٧١
الظن بمعنى اليقين، و﴿فِى الارْضِ﴾ و﴿هَرَبًا﴾ فيه وجهان الأول : أنهما حالان، أي لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها، ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء والثاني : لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمراً، ولن نعجزه هرباً إن طلبنا.
النوع الثاني عشر : قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٧١
٦٧١
﴿لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ﴾ أي القرآن، قال تعالى :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة : ٢) ﴿بِه إِنَّهُ﴾ أي آمنا بالقرآن ﴿فَلا يَخَافُ﴾ فهو لا يخاف أي فهو غير خائف، وعلى هذا يكون الكلام في تقدير جملة من المبتدأ والخبر، أدخل الفاء عليها لتصير جزاء للشرط الذي تقدمها، ولولا ذاك لقيل : لا يخف، فإن قيل : أي فائدة في رفع الفعل، وتقدير مبتدأ قبله حتى يقع خبراً له ووجوب إدخال الفاء، وكان ذلك كله مستغنى عنه بأن يقال : لا يخف قلنا : الفائدة فيه أنه إذا فعل ذلك، فكأنه قيل : فهو لا يخاف، فكان دالاً على تحقيق أن المؤمن ناج لا محالة، وأنه هو المختص لذلك دون غيره، لأن قوله : فهو لا يخاف معناه أن غيره يكون خائفاً، وقرأ الأعمش :﴿فَلا يُخَفَّفُ﴾، وقوله تعالى :﴿بَخْسًا وَلا رَهَقًا﴾ البخس النقص، والرهق الظلم، ثم فيه وجهان الأول : لا يخاف جزاء بخس ولا رهق، لأنه لم يبخس أحداً حقاً، ولا (رهق) ظلم أحداً، فلا يخاف جزاءهما الثاني : لا يخاف أن / يبخس، بل يقطع بأنه يجزي الجزاء الأوفى، ولا يخاف أن ترهقه ذلة من قوله :﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾.
النوع الثالث عشر : قوله تعالى :
(١٤)
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٧١
٦٧٣
القاسط الجائر، والمقسط العادل، وذكرنا معنى قسط وأقسط في أول سورة النساء، فالقاسطون الكافرون الجائرون عن طريق الحق، وعن سعيد بن جبير : أن الحجاج قال له حين أراد قتله : ما تقول في ؟
قال : قاسط عادل، فقال القوم : ما أحسن ما قال، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل، فقال الحجاج : يا جهلة إنه سماني ظالماً مشركاً، وتلا لهم قوله :﴿وَأَمَّا الْقَـاسِطُونَ﴾ وقوله :﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾، (الأنعام : ١) ﴿تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ أي قصدوا طريق الحق، قال أبو عبيدة : تحروا توخوا، قال المبرد : أصل التحري من قولهم : ذلك أحرى، أي أحق وأقرب، وبالحري أن تفعل كذا، أي يجب عليك.
ثم إن الجن ذموا الكافرين فقالوا :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٧٣
٦٧٤
وفيه سؤالان :
الأول : لمَ ذكر عقاب القاسطين ولمْ يذكر ثواب المسلمين ؟
الجواب : بل ذكر ثواب المؤمنين وهو قوله تعالى :﴿تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ (الجن : ١٤) أي توخوا رشداً عظيماً لا يبلغ كنهه إلا الله تعالى، ومثل هذا لا يتحقق إلا في الثواب.
السؤال الثاني : الجن مخلوقين من النار، فكيف يكونون حطباً للنار ؟
الجواب : أنهم وإن خلقوا من النار، لكنهم تغيروا عن تلك الكيفية وصاروا لحماً ودماً هكذا، قيل : وههنا آخر كلام الحسن.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٧٤
٦٧٥
هذا من جملة الموحى إليه والتقدير : قل أوحي إلي أنه استمع نفر وأن لو استقاموا فيكون هذا هو النوع الثاني مما أوحي إليه، وههنا مسائل :
المسألة الأولى :(أن) مخففة من الثقيلة والمعنى : وأوحي إليَّ أن الشأن والحديث لو استقاموا لكان كذا وكذا. قال الواحدي : وفصل لو بينها وبين الفعل كفصل لا والسين في / قوله :﴿أَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا﴾ و﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ﴾.


الصفحة التالية
Icon