ورابعها : أنا نشاهد (ذلك) في أصحاب الإلهامات الصادقة، وليس هذا مختصاً بالأولياء بل قد يوجد في السحرة أيضاً من يكون كذلك نرى الإنسان الذي يكون سهم الغيب على درجة طالعه يكون كذلك في كثير من أخباره وإن كان قد يكذب أيضاً في أكثر تلك الأخبار، ونرى الأحكام النجومية قد تكون مطابقة وموافقة للأمور، وإن كانوا قد يكذبون في كثير منها، وإذا كان ذلك مشاهداً محسوساً، فالقول بأن القرآن يدل على خلافه مما يجر الطعن إلى القرآن، وذلك باطل فعلمنا أن التأويل الصحيح ما ذكرناه، والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿فَإِنَّه يَسْلُكُ مِنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه رَصَدًا﴾ فالمعنى أنه يسلك من بين يدي من ارتضى للرسالة، ﴿وَمِنْ خَلْفِه رَصَدًا﴾ أي حفظة من الملائكة يحفظونه من وساوس شياطين الجن وتخاليطهم، حتى يبلغ ما أوحى به إليه، ومن زحمة شياطين الإنس حتى لا يؤذونه ولا يضرونه وعن الضحاك "ما بعث نبي إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين (الذين) يتشبهون بصورة الملك".
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٨١
٦٨١
قوله تعالى :﴿لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى : وحَّد الرسول في قوله :﴿إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّه يَسْلُكُ مِنا بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه ﴾ (الجن : ٢٧) ثم جمع في قوله :﴿أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ ونظيره ما تقدم من قوله :﴿فَإِنَّ لَه نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ﴾ (الجن : ٢٣).
المسألة الثانية : احتج من قال بحدوث علم الله تعالى بهذه الآية لأن معنى الآية ليعلم الله أن قد أبلغوا الرسالة، ونظيره قوله تعالى :﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ (محمد : ٣١) والجواب من وجهين الأول : قال قتادة ومقاتل : ليعلم محمد أن الرسل قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو الرسالة، وعلى هذا، اللام في قوله :﴿لِّيَعْلَمَ﴾ متعلق بمحذوف يدل عليه الكلام كأنه قيل : أخبرناه بحفظ الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على مثل حالته من التبليغ الحق، ويجوز أن يكون المعنى ليعلم الرسول أن قد أبلغوا أي جبريل والملائكة الذين يبعثون إلى الرسل رسالات ربهم، فلا يشك فيها ويعلم أنها حق من الله الثاني : وهو اختيار أكثر المحققين أن المعنى ليعلم الله أن قد أبلغ الأنبياء رسالات ربهم، والعلم ههنا مثله في قوله :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ﴾ (آل عمران : ١٤٢) والمعنى ليبلغوا رسالات ربهم فيعلم ذلك منهم.
المسألة الثالثة : قرىء ﴿لِّيَعْلَمَ﴾ على البناء للمفعول.
أما قوله :﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ فهو يدل على كونه تعالى عالماً بالجزئيات، وأما قوله :﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدَا ﴾ فهو يدل على كونه عالماً بجميع الموجودات، فإن قيل : إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي، وقوله :﴿كُلَّ شَىْءٍ﴾ يدل على كونه غير متناه، فلزم وقوع التناقض في الآية، قلنا : لا شك أن إحصاء العدد إنما يكون في المتناهي، فأما لفظة ﴿كُلَّ شَىْءٍ﴾ فإنها لا تدل على كونه غير متناه، لأن الشيء عندنا هو الموجودات، والموجودات متناهية في العدد، وهذه الآية أحد ما يحتج به على أن المعدوم ليس بشيء، وذلك لأن المعدوم لو كان شيئاً، لكانت الأشياء غير متناهية، وقوله :﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدَا ﴾ يقتضي كون تلك المحصيات متناهية، فيلزم الجمع بين كونها متناهية وغير متناهية وذلك محال، فوجب القطع بأن المعدوم ليس بشيء حتى يندفع هذا التناقض.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٨١
والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين، وخاتم النبيين محمد النبي وآله وصحبه أجمعين.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٦٨١
٦٨٣


الصفحة التالية
Icon