المسألة الثانية : اختلفوا في أن الوقت الذي ينقر في الناقور، أهو النفخة الأولى أم النفخة الثانية ؟
فالقول الأول : أنه هو النفخة الأولى، قال الحليمي في كتاب المنهاج : أنه تعالى سمى الصور بأسمين أحدهما الصور والآخر الناقور، وقول المفسرين : إن الناقور هو الصور، ثم لا شك أن الصور وإن كان هو الذي ينفخ فيه النفختان معاً، فإن نفخة الإصعاق تخالف نفخة الإحياء، وجاء في الأخبار أن في الصور ثقباً بعدد الأرواح كلها، وأنها تجمع في تلك الثقب في النفخة الثانية، فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزع منه فيعود الجسد حياً بإذن الله تعالى، فيحتمل أن يكون الصور محتوياً على آلتين ينقر في إحداهما وينفخ في الأخرى فإذا نفخ فيه للإصعاق، جمع بين النقر والنفخ، لتكون الصيحة أهد وأعظم، وإذا نفخ فيه للإحياء لم ينقر فيه، واقتصر على النفخ، لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها لا تنقيرها من أجسادها، والنفخة الأولى للتنقير، وهو نظير صوت الرعد، فإنه إذا اشتد فربما مات سامعه، والصيحة الشديدة التي يصيحها رجل بصبي فيفزع منه فيموت، هذا آخر كلام الحليمي رحمه الله / ولى فيه إشكال، وهو أن هذا يقتضي أن يكون النقر إنما يحصل عند صيحة الإصعاق، وذلك اليوم غير شديد على الكافرين، لأنهم يموتون في تلك الساعة إنما اليوم الشديد على الكافرين عند صيحة الإحياء، ولذلك يقولون : يا ليتها كانت القاضية، أي يا ليتنا بقينا على الموتة الأولى والقول الثاني : إنه النفخة الثانية، وذلك لأن الناقور هو الذي ينقر فيه، أي ينكت، فيجوز أنه إذا أريد أن ينفخ في المرة الثانية، نقر أولاً، فسمى ناقوراً لهذا المعنى، وأقول في هذا اللفظ بحث وهو أن الناقور فاعول من النقر، كالهاضوم ما يهضم به، والحاطوم ما يحطم به، فكان ينبغي أن يكون الناقور ما ينقر به لا ما ينقر فيه.
المسألة الثالثة : العامل في قوله :﴿فَإِذَا نُقِرَ﴾ هو المعنى الذي دل عليه قوله :﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ (المدثر : ٩) والتقدير إذا نقر في الناقور عسر الأمر وصعب.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٠٤
٧٠٤
فيه مسائل.
المسألة الأولى : قوله فذلك إشارة إلى اليوم الذي ينقر فيه في الناقور، والتقدير فذلك اليوم ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾، وأما ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ ففيه وجوه : الأول : أن يكون تفسيراً لقوله :﴿فَذَالِكَ﴾ لأن قوله :﴿فَذَالِكَ﴾ يحتمل أن يكون إشارة إلى النقر، وأن يكون إشارة إلى اليوم المضاف إلى النقر، فكأنه قال : فذلك أعني اليوم المضاف إلى النقر ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ فيكون ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ في محل النصب والثاني : أن يكون ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ مرفوع المحل بدلاً من ذلك ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ خبر كأنه قيل : فيوم النقر ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ فعلى هذا يومئذ في محل الرفع لكونه بدلاً من ذلك إلا أنه لما أضيف اليوم إلى إذ وهو غير متمكن بني على الفتح الثالث : أن تقدير الآية فذلك النقر يومئذ نقر ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ على أن يكون العامل في ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ هو النقر.
المسألة الثانية : عسر ذلك اليوم على الكافرين لأنهم يناقشون في الحساب ويعطون كتبهم بشمائلهم وتسود وجوههم ويحشرون زرقاً وتتكلم جوارحهم فيفتضحون على رؤوس الأشهاد وأما المؤمنون فإنه عليهم يسير لأنهم لا يناقشون في الحساب ويحشرون بيض الوجوه ثقال الموازين، ويحتمل أن يكون إنما وصفه الله تعالى بالعسر لأنه في نفسه كذلك للجميع من المؤمنين والكافرين على ما روى أن الأنبياء يومئذ يفزعون، وأن الولدان يشيبون إلا أنه يكون هول الكفار فيه أشد، فعلى القول الأول لا يحسن الوقف على قوله :﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ فإن المعنى أنه : على الكافرين عسير وغير يسير، وعلى القول الثاني يحسب الوقف لأن المعنى أنه في نفسه عسير على الكل ثم الكافر مخصوص فيه بزيادة خاصة وهو أنه عليه غير يسير، فإن قيل : فما فائدة قوله :﴿غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ وعسير مغن عنه ؟
الجواب : أما على القول الأول : فالتكرير للتأكيد كما / تقول أنا لك محب غير مبغض وولي غير عدو، وأما على القول الثاني : فقوله :﴿عَسِيرٌ﴾ يفيد أصل العسر الشامل للمؤمنين والكافرين وقوله :﴿غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ يفيد الزيادة التي يختص بها الكافر لأن العسر قد يكون عسراً، قليلاً يسيراً، وقد يكون عسراً كثيراً فأثبت أصل العسر للكل وأثبت العسر بصفة الكثرة والقوة للكافرين.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٠٤
المسألة الثالثة : قال ابن عباس : لما قال إنه غير يسير على الكافرين، كان يسيراً على المؤمنين فبعض من قال بدليل الخطاب قال لولا أن دليل الخطاب حجة وإلا لما فهم ابن عباس من كونه غير يسير على الكافر كونه يسيراً على المؤمن.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٠٤
٧٠٥


الصفحة التالية
Icon