المسألة الأولى : ذكروا في كيفية الجمع وجوهاً أحدها : أنه تعالى قال :﴿لا الشَّمْسُ يَنابَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ فإذا جاء وقت القيامة أدرك كل واحد منهما صاحبه واجتمعا وثانيها : جمعا في ذهاب الضوء، فهو كما يقال : الشافعي يجمع ما بين كذا وكذا في حكم كذا وثالثها : يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار، وقيل : يجمعان ثم يقذفان في البحر، فهناك نار الله الكبرى واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها في قوله، وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر إنما تستقيم على مذهب من يجعل برق البصر من علامات القيامة، فأما من يجعل برق البصر من علامات الموت قال معنى :﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ أي ذهب ضوء البصر عند الموت، يقال عين خاسفة، إذا فقئت حتى غابت حدقتها في الرأس، وأصلها من خسفت الأرض إذا ساخت بما عليها، وقوله :﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ كناية عن ذهاب الروح إلى عالم الآخرة/ كأن الآخرة كالشمس، فإنه يظهر فيها المغيبات وتتضح فيها المبهمات، والروح كالقمر فإنه كما أن القمر يقبل النور من الشمس، فكذا الروح تقبل نور المعارف من عالم الآخرة، ولا شك أن تفسير هذه الآيات بعلامات القيامة أولى من تفسيرها بعلامات الموت وأشد مطابقة لها.
المسألة الثانية : قال الفراء : إنما قال جمع، ولم يقل : جمعت لأن المراد أنه جمع بينهما في زوال النور وذهاب الضوء، وقال الكسائي، المعنى جمع النوران أو الضياءان، وقال أبو عبيدة، القمر شارك الشمس في الجمع، وهو مذكر، فلا جرم غلب جانب التذكير في اللفظ، قال الفراء، قلت : لمن نصر هذا القول : كيف تقولون : الشمس جمع والقمر ؟
فقالوا : جمعت، فقلت ما الفرق بين الموضعين ؟
فرجع عن هذا القول.
المسألة الثالثة : طعنت الملاحدة في الآية، وقالوا : خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر والجواب : الله تعالى قادر على أن يجعل القمر منخسفاً، سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس، أو لم تكن، والدليل عليه أن الأجسام متماثلة، فيصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر، والله قادر على كل الممكنات، فوجب أن يقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٥
قوله تعالى :﴿يَقُولُ الانسَـانُ يَوْمَـاـاِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ أي يقول هذا الإنسان المنكر للقيامة إذا / عاين هذه الأحوال أين المفر، والقراءة المشهورة بفتح الفاء، وقرىء أيضاً بكسر الفاء، والمفر بفتح الفاء هو الفرار، قال الأخفش والزجاج : المصدر من فعل يفعل مفتوح العين. وهو قول جمهور أهل اللغة، والمعنى أين الفرار، وقول القائل : أين الفرار يحتمل معنيين أحدهما : أنه لا يرى علامات مكنة الفرار فيقول حينئذ : أين الفرار، كما إذا أيس من وجدان زيد يقول : أين زيد والثاني : أن يكون المعنى إلى أين الفرار، وأما المفر بكسر الفاء فهو الموضع، فزعم بعض أهل اللغة أن المفر بفتح الفاء كما يكون اسماً للمصدر، فقد يكون أيضاً اسماً للموضع والمفر بكسر الفاء كما يكون اسماً للموضع، فقد يكون مصدراً ونظيره المرجع.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٥
٧٢٥
قوله تعالى :﴿كَلا﴾ وهو ردع عن طلب المفر ﴿لا وَزَرَ﴾ قال المبرد والزجاج : أصل الوزر الجبل المنيع، ثم يقال : لكل ما التجأت إليه وتحصنت به وزر، وأنشد المبرد قول كعب بن مالك :
الناس آلت علينا فيك ليس لنا
إلا السيوف وأطراف القنا وزر
ومعنى الآية أنه لا شيء يعتصم به من أمر الله.
ثم قال تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٥
٧٢٦
وفيه وجهان أحدهما : أن يكون المستقر بمعنى الاستقرار، بمعنى أنهم لا يقدرون أن يستقروا إلى غيره، وينصبوا إلى غيره، كما قال :﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ (العلق : ٨) ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (النور : ٤٢) ﴿أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الامُورُ﴾ (الشورى : ٥٣) ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ﴾ (النجم : ١٢) الثاني : أن يكون المعنى إلى ربك مستقرهم، أي موضع قرارهم من جنة أو نار، أي مفوض ذلك إلى مشيئته من شاء أدخله الجنة، ومن شاء أدخله النار.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٦
٧٢٦
بما قدم من عمل عمله، وبما أخر من عمل لم يعمله، أو بما قدم من ماله فتصدق به وبما أخره فخلفه، أو بما قدم من عمل الخير والشر وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة، فعمل بها بعده، وعن مجاهد أنه مفسر بأول العمل وآخره، ونظيره قوله :﴿فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ا أَحْصَـاـاهُ اللَّهُ وَنَسُوه ﴾ (المجادلة : ٦) وقال :﴿وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ ﴾ (يس : ١٢) واعلم أن الأظهر أن هذا الإنباء يكون يوم القيامة عند العرض، والمحاسبة ووزن الأعمال، ويجوز أن يكون عند الموت وذلك أنه إذا مات بين له مقعده من الجنة والنار.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٦
٧٢٨


الصفحة التالية
Icon