جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٩
﴿لا تُحَرِّكْ بِه لِسَانَكَ﴾ وخامسها : أنه تعالى حكى عن الكافر أنه يقول : أين المفر، ثم قال تعالى :﴿كَلا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَـاـاِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ (القيامة : ١١ ـ ١٢) فالكافر كأنه كان يفر من الله تعالى إلى غيره فقيل : لمحمد إنك في طلب حفظ القرآن، تستعين بالتكرار وهذا استعانة منك بغير الله، فاترك هذه الطريقة، واستعن في هذا الأمر بالله فكأنه قيل : إن الكافر يفر من الله إلى غيره، وأما أنت فكن كالمضاد له فيجب أن تفر من غير الله إلى الله وأن تستعين في كل الأمور بالله، حتى يحصل لك المقصود على ما قال :﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَه وَقُرْءَانَه ﴾ (القيامة : ١٧) وقال في سورة أخرى :﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى ا إِلَيْكَ وَحْيُه ا وَقُل رَّبِّ زِدْنِى﴾ (طه : ١١٤) أي لا تستعن في طلب الحفظ بالتكرار بل اطلبه من الله تعالى وسادسها : ما ذكره القفال وهو أن قوله :﴿لا تُحَرِّكْ بِه لِسَانَكَ﴾ ليس خطاباً مع الرسول عليه السلام بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله :﴿يُنَبَّؤُا الانسَـانُ يَوْمَـاـاِذا بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ (القيامة : ١٣) فكان ذلك للإنسان حال ما ينبأ بقبائح أفعاله وذلك بأن يعرض عليه كتابه فيقال له :﴿اقْرَأْ كِتَـابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ (الإسراء : ١٤) فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدة الخوف وسرعة القراءة فيقال له لا تحرك به لسانك لتعجل به، فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك فإذا قرأناه عليك فاتبع قرآنه بالإقرار بأنك فعلت تلك الأفعال، ثم إن علينا بيان أمره وشرح مراتب عقوبته، وحاصل الأمر من تفسير هذه الآية أن المراد منه أنه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله على سبيل التفصيل، وفيه أشد الوعيد / في الدنيا وأشد التهويل في الآخرة، ثم قال القفال : فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه وإن كانت الآثار غير واردة به.
المسألة الثانية : احتج من جوز الذنب على الأنبياء عليهم السلام بهذه الآية، فقال : إن ذلك الاستعجال إن كان بإذن الله تعالى فكيف نهاه عنه وإن كان لا بإذن الله تعالى فقد صدر الذنب عنه الجواب : لعل ذلك الاستعجال كان مأذوناً فيه إلى وقت النهي عنه، ولا يبعد أن يكون الشيء مأذوناً فيه في وقت ثم يصير منهياً عنه في وقت آخر، ولهذا السبب قلنا : يجوز النسخ.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٩
المسألة الثالثة : روى سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يشتد عليه حفظ التنزيل وكان إذا نزل عليه الوحي يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل مخافة أن لا يحفظ، فأنزل تعالى :﴿لا تُحَرِّكْ بِه لِسَانَكَ﴾ أي بالوحي والتنزيل والقرآن، وإنما جاز هذا الإضمار وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه، كما أضمر في قوله :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (القدر : ١) ونظير قوله :﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى ا إِلَيْكَ وَحْيُه ﴾ (طه : ١١٤) وقوله :﴿لِتَعْجَلَ بِه ﴾ أي لتعجل بأخذه.
أما قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٩
٧٢٩
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : كلمة على للوجوب فقوله : إن علينا يدل على أن ذلك كالواجب على الله تعالى، أما على مذهبنا فذلك الوجوب بحكم الوعد، وأما على قول المعتزلة : فلأن المقصود من البعثة لا يتم إلا إذا كان الوحي محفوظاً مبرأ عن النسيان، فكان ذلك واجباً نظراً إلى الحكمة.
المسألة الثانية : قوله :﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَه ﴾ معناه علينا جمعه في صدرك وحفظك، وقوله :﴿وَقُرْءَانَه ﴾ فيه وجهان أحدهما : أن المراد من القرآن القراءة، وعلى هذا التقدير ففيه احتمالان أحدهما : أن يكون المراد جبريل عليه السلام، سيعيده عليك حتى تحفظه والثاني : أن يكون المراد إنا سنقرئك يا محمد إلى أن تصير بحيث لا تنساه، وهو المراد من قوله :﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى ﴾ (الأعلى : ٦) فعلى هذا الوجه الأول القارىء جبريل عليه السلام، وعلى الوجه الثاني القارىء محمد صلى الله عليه وسلّم والوجه الثاني : أن يكون المراد من القرآن الجمع والتأليف، من قولهم : ما قرأت الناقة سلاقط، أي ما جمعت، وبنت عمرو بن كلثوم لم تقرأ جنيناً، وقد ذكرنا ذلك عند تفسير القرء، فإن قيل : فعلى هذا الوجه يكون الجمع والقرآن واحداً فيلزم التكرار، قلنا : يحتمل أن يكون المراد من الجمع جمعه في نفسه ووجوده الخارجي، ومن القرآن جمعه في ذهنه وحفظه، وحينئذ يندفع التكرار.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٢٩
٧٣٠
فيه مسألتان :


الصفحة التالية
Icon