جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٣٧
٧٣٧
قال قتادة والكلبي ومقاتل : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيد أبي جهل. ثم قال :﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ توعده، فقال أبو جهل : بأي شيء تهددني ؟
لا تستطع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً، وإني لأعز أهل هذا الوادي، ثم انسل ذاهباً، فأنزل الله تعالى كما قال له الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعنى قوله :﴿أَوْلَى لَكَ﴾ بمعنى ويل لك، وهو دعاء عليه، بأن يليه ما يكرهه، قال القاضي : المعنى بعد ذلك، فبعداً (لك) في أمر دنياك، وبعداً لك، في أمر أخراك، وقال آخرون : المعنى الويل لك مرة بعد ذلك، وقال القفال : هذا يحتمل وجوهاً أحدها : أنه وعيد مبتدأ من الله للكافرين والثاني : أنه شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلّم لعدوه فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه، فأنزل الله تعالى مثل ذلك والثالث : أن يكون ذلك أمراً من الله لنبيه، بأن يقولها لعدو الله، فيكون المعنى ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى ا أَهْلِه يَتَمَطَّى ﴾ (القيامة : ٣٣) فقل له : يا محمد :﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ أي احذر، فقد قرب منك مالا قبل لك به من المكروه.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٣٧
٧٣٨
أي مهملاً لا يؤمر، ولا ينهى، ولا يكلف في الدنيا ولا يحاسب بعمله في الآخرة، والسدي في اللغة المهمل يقال : أسديت إبلي إسداء أهملتها.
واعلم أنه تعالى لما ذكر في أول السورة، قوله :﴿أَيَحْسَبُ الانسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَه ﴾ (القيامة : ٣) أعاد في آخر السورة ذلك، وذكر في صحة البعث والقيامة دليلين الأول : قوله :﴿أَيَحْسَبُ الانسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ (القيامة : ٣٦) ونظيره قوله :﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا تَسْعَى ﴾ (طه : ١٥) وقوله :﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الارْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ (ص : ٢٨) وتقريره أن إعطاء القدرة والآلة والعقل بدون التكليف والأمر بالطاعة والنهي عن المفاسد يقتضي كونه تعالى راضياً بقبائح الأفعال، وذلك لا يليق بحكمته، فإذاً لا بد من التكليف والتكليف لا يحسن ولا يليق بالكريم الرحيم إلا إذا كان هناك دار الثواب والبعث والقيامة.
الدليل الثاني : على صحة القول بالحشر الاستدلال بالخلقة الأولى على الإعادة، وهو المراد من قوله تعالى.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٣٨
٧٣٩
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : النطفة هي الماء القليل وجمعها نطاف ونطف، يقول : ألم يك ماء قليلاً في صلب الرجل وترائب المرأة ؟
وقوله :﴿مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى ﴾ أي يصب في الرحم، وذكرنا الكلام في يمنى عند قوله :﴿مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ (النجم : ٤٦) وقوله :﴿أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ﴾ (الواقعة : ٥٨) فإن قيل : ما الفائدة في يمنى في قوله :﴿مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى ﴾ ؟
قلنا : فيه إشارة إلى حقارة حاله، كأنه قيل : إنه مخلوق من المني الذي جرى على مخرج النجاسة، فلا يليق بمثل هذا الشيء أن يتمرد عن طاعة الله تعالى إلا أنه عبر عن هذا المعنى، على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى ومريم :﴿كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ﴾ (المائدة : ٧٥) والمراد منه قضاء الحاجة.
المسألة الثانية : في يمنى في هذه السورة قراءتان التاء والياء، فالتاء للنطفة، على تقدير ألم يك نطفة تمنى من المني، والياء للمني من مني يمنى، أي يقدر خلق الإنسان منه.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٣٩
٧٣٩
قوله تعالى :﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً﴾ أي الإنسان كان علقة بعد النطفة.
أما قوله تعالى :﴿فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴾ ففيه وجهان الأول : فخلق فقدر فسوى فعدل الثاني : فخلق، أي فنفخ فيه الروح، فسوى فكمل أعضاءه، وهو قول ابن عباس ومقاتل.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٣٩
٧٤٠
ثم قال تعالى :﴿فَجَعَلَ مِنْهُ﴾ أي من الإنسان ﴿الزَّوْجَيْنِ﴾ يعني الصنفين.
ثم فسرهما فقال :﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالانثَى * أَلَيْسَ ذَالِكَ بِقَادِرٍ عَلَى ا أَن يُحِْاىَ الْمَوْتَى ﴾ والمعنى أليس ذلك الذي أنشأ هذه الأشياء بقادر على الإعادة، روي أنه صلى الله عليه وسلّم كان إذا قرأها قال : سبحانك بلى والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد سيد المرسلين وآله وصحبه وسلم.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٤٠
٧٤١


الصفحة التالية
Icon