السؤال الثاني : ما معنى المستطير ؟
الجواب : فيه وجهان أحدهما : الذي يكون فاشياً منتشراً بالغاً أقصى المبالغ، وهو من قولهم : استطار الحريق، واستطار الفجر وهو من طار بمنزلة استنفر من نفر، فإن قيل : كيف يمكن أن يقال : شر ذلك اليوم مستطير منتشر، مع أنه تعالى قال في صفة أوليائه :﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاكْبَرُ﴾ ؟
(الأنبياء : ١٠٣)، قلنا : الجواب من وجهين الأول : أن هول القيامة شديد، ألا ترى أن السموات تنشق وتنفطر وتصير كالمهل، وتتناثر الكواكب، وتتكور / الشمس والقمر، وتفرغ الملائكة، وتبدل الأرض غير الأرض، وتنسف الجبال، وتسجر البحار وهذا الهول عام يصل إلى كل المكلفين على ما قال تعالى :﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ (الحج : ٢) وقال :﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ (المزمل : ١٧) إلا أنه تعالى بفضله يؤمن أولياءه من ذلك الفزع والجواب الثاني : أن يكون المراد أن شر ذلك اليوم يكون مستطيراً في العصاة والفجار. وأما المؤمنون فهم آمنون، كما قال :﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاكْبَرُ﴾ (الأنبياء : ١٠٣) ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ (الزخرف : ٦٨) ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ (فاطر : ٤٤) إلا أن أهل العقاب في غاية الكثرة بالنسبة إلى أهل الثواب، فأجرى الغالب مجرى الكل على سبيل المجاز.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٤٩
القول الثاني : في تفسير المستطير أنه الذي يكون سريع الوصول إلى أهله، وكأن هذا القائل ذهب إلى أن الطيران إسراع.
السؤال الثالث : لم قال : كان شره مستطيراً، ولم يقل : وسيكون شره مستطيراً ؟
الجواب : اللفظ وإن كان للماضي، إلا أنه بمعنى المستقبل، وهو كقوله :﴿وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ﴾ (الأحزاب : ١٥) ويحتمل أن يكون المراد إنه كان شره مستطيراً في علم الله وفي حكمته، كأنه تعالى يعتذر ويقول : إيصال هذا الضرر إنما كان لأن الحكمة تقتضيه، وذلك لأن نظام العالم لا يحصل إلا بالوعد والوعيد، وهما يوجبان الوفاء به، لاستحالة الكذب في كلامي، فكأنه تعالى يقول : كان ذلك في الحكمة لازماً، فلهذا السبب فعلته.
النوع الثالث : من أعمال الأبرار قوله تعالى :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٤٩
٧٥٠
اعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين التعظيم لأمر الله تعالى، وإليه الإشارة بقول :﴿تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ (الإنسان : ٧) والشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله :﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ﴾ وههنا مسائل.
المسألة الأولى : لم يذكر أحد من أكابر المعتزلة، كأبي بكر الأصم وأبي علي الجبائي وأبي القاسم الكعبي، وأبي مسلم الأصفهاني، والقاضي عبد الجبار بن أحمد في تفسيرهم أن هذه الآيات نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام، والواحدي من أصحابنا ذكر في كتاب / "البسيط" أنها نزلت في حق علي عليه السلام، وصاحب "الكشاف" من المعتزلة ذكر هذه القصة، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما :"أن الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أناس معه، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صائمين، فلما أمسوا ووضعوا لطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي عليه السلام بيد الحسن والحسين ودخلوا على الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبريل عليه السلام وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فأقرأها السورة" والأولون يقولون : إنه تعالى ذكر في أول السورة أنه إنما خلق الخلق للابتلاء والامتحان، ثم بين أنه هدى الكل وأزاح عللهم ثم بين أنهم انقسموا إلى شاكر وإلى كافر ثم ذكر وعيد الكافر ثم أتبعه بذكر وعد الشاكر فقال :
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٠


الصفحة التالية
Icon