المسألة الثالثة : قال بعضهم قوله :﴿وَإِذَا رَأَيْتَ﴾ خطاب لمحمد خاصة، والدليل عليه أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : أرأيت إن دخلت الجنة أترى عيناي ما ترى عيناك ؟
فقال نعم، فبكى حتى مات، وقال آخرون : بل هو خطاب لكل أحد.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٧
٧٥٨
قوله تعالى :﴿عَـالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ نافع وحمزة عاليهم بإسكان الياء والباقون بفتح الياء أما القراءة الأولى : فالوجه فيها أن يكون عاليهم مبتدأ، وثياب سندس خبره، والمعنى ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس، فإن قيل : عاليهم مفرد، وثياب سندس جماعة، والمبتدأ إذا كان مفرداً لا يكون خبره جمعاً، قلنا : المبتدأ، وهو قوله :﴿عَلَيْهِمْ﴾ وإن كان مفرداً في اللفظ، فهو جمع في المعنى، نظيره قوله تعالى :﴿مُسْتَكْبِرِينَ بِه سَـامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ (المؤمنون : ٦٧) كأنه أفرد من حيث جعل بمنزلة المصدر أما القراءة الثانية : وهي فتح الياء، فذكروا في هذا النصب ثلاثة أوجه الأول : أنه نصب على الظرف، لأنه لما كان عالي بمعنى فوق أجرى مجراه في هذا الإعراب، كما كان قوله :﴿وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ كذلك وهو قول أبي علي الفارسي والثاني : أنه نصب على الحال، ثم هذا أيضاً يحتمل وجوهاً أحدها : قال أبو علي الفارسي : التقدير : ولقاهم نضرة وسروراً حال ما يكون عاليهم ثياب سندس وثانيها : التقدير : وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً حال ما يكون عاليهم ثياب سندس وثالثها : أن يكون التقدير ويطوف على الأبرار ولدان، حال ما يكون الأبرار عاليهم ثياب سندس ورابعها : حسبتهم لؤلؤاً منثوراً، حال ما يكون / عاليهم ثياب سندس، فعلى الاحتمالات الثلاثة الأول : تكون الثياب الأبرار، وعلى الاحتمال الرابع تكون الثياب ثياب الولدان الوجه الثالث : في سبب هذا النصب، أن يكون التقدير : رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب سندس.
المسألة الثانية : قرأ نافع وعاصم : خضر واستبرق، كلاهما بالرفع، وقرأ الكسائي وحمزة : كلاهما بالخفض، وقرأ ابن كثير : خضر بالخفض، واستبرق بالرفع، وقرأ أبو عمرو وعبدالله بن عامر : خضر بالرفع، واستبرق بالخفض، وحاصل الكلام فيه أن خضراً يجوز فيه الخفض والرفع، أما الرفع فإذا جعلتها صفة لثياب، وذلك ظاهر لأنها صفة مجموعة لموصوف مجموعة، وأما الخفض فإذا جعلتها صفة سندس، لأن سندس أريد به الجنس، فكان في معنى الجمع، وأجاز الأخفش وصف اللفظ الذي يراد به الجنس بالجمع، كما يقال : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض إلا أنه قال : إنه قبيح، والدليل على قبحه أن العرب تجيء بالجمع الذي هو في لفظ الواحد فيجرونه مجرى الواحد وذلك قولهم : حصى أبيض وفي التنزيل ﴿مِّنَ الشَّجَرِ الاخْضَرِ﴾ و﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ إذ كانوا قد أفردوا صفات هذا الضرب من الجمع، فالواحد الذي في معنى الجمع أولى أن تفرد صفته، وأما استبرق فيحوز فيه الرفع والخفض أيضاً معاً، أما الرفع فإذا أريد به العطف على الثياب، كأنه قيل : ثياب سندس واستبرق وأما الخفض فإذا أريد إضافة الثياب إليه كأنه قيل : ثياب سندس واستبرق، والمعنى ثيابهما فأضاف الثياب إلى الجنسين كما يقال : ثياب خز وكتان، ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ واعلم أن حقائق هذه الآية قد تقدمت في سورة الكهف.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٥٨
المسألة الثالثة : السندس ما رق من الديباج، والاستبرق ما غلظ منه، وكل ذلك داخل في اسم الحرير قال تعالى :﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ ثم قيل : إن الذين هذا لباسهم هم الولدان المخلدون، وقيل : بل هذا لباس الأبرار، وكأنهم يلبسون عدة من الثياب فيكون الذي يعلوها أفضلها/ ولهذا قال :﴿عَلَيْهِمْ﴾ وقيل هذا من تمام قوله :﴿مُّتَّكِـاِينَ فِيهَا عَلَى الارَآاـاِكِ ﴾ ومعنى ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس، والمعنى أن حجالهم من الحرير والديباج.
قوله تعالى :﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ وفيه سؤالات :
السؤال الأول : قال تعالى في سورة الكهف :﴿ أولئك لَهُمْ جَنَّـاتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الانْهَـارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ (الكهف : ٣١) فكيف جعل تلك الأساور ههنا من فضة ؟
والجواب : من ثلاثة أوجه أحدها : أنه لا منافاة بين الأمرين فلعلهم يسورون بالجنسين إما على المعاقبة أو على الجمع كما تفعل النساء في الدنيا وثانيها : أن الطباع مختلفة فرب إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه لصفرة الذهب، فالله تعالى يعطي كل أحد ما تكون رغبته فيه أتم، وميله إليه / أشد وثالثها : أن هذه الأسورة من الفضة إنما تكون للوالدان الذين هم الخدم وأسورة الذهب للناس.


الصفحة التالية
Icon