السؤال الثالث : لم لم يقل : ولا يؤذن لهم فيعتذرون ؟
كما قال :﴿لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ﴾ الجواب : الفاء ههنا للنسق فقط، ولا يفيد كونه جزاء ألبتة ومثله ﴿مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَـاعِفَه لَه ﴾ بالرفع والنصب، وإنما رفع يعتذرون بالعطف لأنه لو نصب لكان ذلك يوهم أنهم ما يعتذرون لأنهم لم يؤذنوا في الاعتذار، وذلك يوهم أن لهم فيه عذراً منعوا عن ذكره وهو غير جائز. أما لما رفع كان المعنى أنهم لم يؤذنوا في العذر وهم أيضاً لم يعتذروا لا لأجل عدم الإذن بل لأجل عدم العذر في نفسه، ثم إن فيه فائدة أخرى وهي حصول الموافقة في رءوس الآيات / لأن الآيات بالواو والنون، ولو قيل : فيعتذروا لم تتوافق الآيات، ألا ترى أنه قال في سورة اقتربت الساعة :﴿إِلَى شَىْءٍ نُّكُرٍ﴾ فثقل لأن آياتها مثقلة، وقال في موضع آخر :﴿وَعَذَّبْنَـاـاهَا عَذَابًا نُّكْرًا﴾ وأجمع القراء على تثقيل الأول وتخفيف الثاني ليوافق كل منهما ما قبله.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٨١
٧٨١
اعلم أن هذا هو النوع السابع : من أنواع تهديد الكفار، وهذا القسم من باب التعذيب بالتقريع والتخجيل، فأما قوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴾ فاعلم أن ذلك اليوم يقع فيه نوعان من الحكومة أحدهما : ما بين العبد والرب وفي هذا القسم كل ما يتعلق بالرب فلا حاجة فيه إلى الفصل وهو ما يتعلق بالثواب الذي يستحقه المرء على عمله وكذا في العقاب إنما يحتاج إلى الفصل فيما يتعلق بجانب العبد وهو أن تقرر عليهم أعمالهم التي عملوها حتى يعترفوا.
والقسم الثاني : ما يكون بين العباد بعضهم مع بعض، فإن هذا يدعى على ذاك أنه ظلمني وذاك يدعى على هذا أنه قتلني فههنا لا بد فيه من الفصل وقوله :﴿جَمَعْنَـاكُمْ وَالاوَّلِينَ﴾ كلام موضح لقوله :﴿هَـاذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ﴾ لأنه لما كان هذا اليوم يوم فصل حكومات جميع المكلفين فلا بد من إحضار جميع المكلفين لا سيما عند من لا يجوز القضاء على الغائب، ثم قال :﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ يشير به إلى أنهم كانوا يدفعون الحقوق عن أنفسهم بضروب الحيل والكيد فكأنه قال : فههنا إن أمكنكم أن تفعلوا مثل تلك الأفعال المنكرة من الكيد والمكر والخداع والتلبيس فافعلوا، وهذا كقوله تعالى :﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِه ﴾ ثم إنهم يعلمون أن الحيل منقطعة والتلبيسات غير ممكنة، فخطاب الله تعالى لهم في هذه الحالة بقوله :﴿فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ نهاية في التخجيل والتقريع، وهذا من جنس العذاب الروحاني، فلهذا قال عقيبة :﴿وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾.
جزء : ٣٠ رقم الصفحة : ٧٨١
٧٨١
اعلم أن هذا هو النوع الثامن : من أنواع تهديد الكفار وتعذيبهم، وذلك لأن الخصومة الشديدة والنفرة العظيمة كانت في الدنيا قائمة بين الكفار والمؤمنين، فصارت تلك النفرة بحيث أن الموت كان أسهل على الكافر من أن يرى للمؤمن دولة وقوة، فلما بين الله تعالى في هذه السورة اجتماع أنواع العذاب والخزي والنكال على الكفار، بين في هذه الآية اجتماع أنواع السعادة والكرامة في حق المؤمن، حتى أن الكافر حال ما يرى نفسه في غاية الذل والهوان والخزي والخسران، ويرى خصمه في نهاية العز والكرامة والرفعة والمنقبة، تتضاعف حسرته وتتزايد غمومه وهمومه، وهذا أيضاً من جنس العذاب الروحاني، فلهذا قال في هذه الآية :﴿وَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon