المسألة الخامسة : التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به، وإن لم يكن من بعضهم لبعض سؤال، قال تعالى :﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ (الطور : ٢٥) ﴿قَالَ قَآاـاِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌ * يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ (الصافات : ٥٢، ٥١) فهذا يدل على معنى التحدث فيكون معنى الكلام عم يتحدثون، وهذا قول الفراء.
المسألة السادسة : أولئك الذين كانوا يتساءلون من هم، فيه احتمالات : الاحتمال الأول : أنهم هم الكفار، والدليل عليه قوله تعالى :﴿كَلا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ﴾ (النبأ : ٥، ٤) الضمير في يتساءلون، وهم فيه مختلفون وسيعلمون، راجع إلى شيء واحد وقوله :﴿كَلا سَيَعْلَمُونَ﴾ تهديد والتهديد لا يليق إلا بالكفار، فثبت أن الضمير في قوله :﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ عائد إلى الكفار، فإن قيل فما تصنع بقوله :﴿هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ مع أن الكفار كانوا متفقين في إنكار الحشر ؟
قلنا لا نسلم أنهم كانوا متفقين في إنكار الحشر، وذلك لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني، وهم جمهور النصارى/ وأما المعاد الجسماني فمنهم من كان شاكاً فيه كقوله :﴿وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَا ـاِمَةً وَلَـاـاِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّى لاجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا﴾ (فصلت : ٥٠) ومنهم من أصر على الإنكار، ويقول :﴿إِنْ هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ (المؤمنون : ٣٧) ومنهم من كان مقرّاً به، لكنه كان منكراً لنبوة محمد صلى الله عليه وسلّم، فقد حصل اختلافهم فيه، وأيضاً هب أنهم كانوا منكرين له لكن لعلهم اختلفوا في كيفية إنكاره، فمنهم من كان ينكره لأنه كان ينكر الصانع المختار، ومنهم من كان ينكره لاعتقاده أن إعادة المعدوم ممتنعة لذاتها والقادر المختار إنما يكون قادراً على ما يكون ممكناً في نفسه، وهذا هو المراد بقوله :﴿هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾.
والاحتمال الثاني : أن الذين كانوا يتساءلون هم الكفار والمؤمنون، وكانوا جميعاً يتساءلون عنه، أما المسلم فليزداد بصيرة ويقيناً في دينه، وأما الكافر فعلى سبيل السخرية، أو على سبيل إيراد الشكوك والشبهات.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٨
والاحتمال الثالث : أنهم كانوا يسألون الرسول، ويقولون ما هذا الذي تعدنا به من أمر الآخرة.
أما قوله تعالى :﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ ففيه مسائل.


الصفحة التالية
Icon