جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٤١
٤١
أحدها : قوله تعالى :﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : معنى قوله :﴿فَكَذَّبَ﴾ أنه كذب بدلالة ذلك المعجز على صدقه. واعلم أن القدح في دلالة المعجزة على الصدق إما لاعتقاد أنه يمكن معارضته، أو لأنه وإن امتنعت معارضته لكنه ليس فعلاً لله بل لغيره، إما فعل جنى أو فعل ملك، أو إن كان فعلاً لله تعالى لكنه ما فعله لغرض التصديق، أو إن كان فعله لغرض التصديق لكنه لا يلزم صدق المدعى، فإنه لا يقبح من الله شيء ألبتة، فهذه مجامع الطعن في دلالة المعجز على الصدق، وما بعد الآية يدل على أن فرعون إنما منع من دلالته عن الصدق لاعتقاده أنه يمكن معارضته بدليل قوله :﴿فَحَشَرَ فَنَادَى ﴾ (النازعات : ٢٣) وهو كقوله :﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى الْمَدَآاـاِنِ حَـاشِرِينَ﴾ (الشعرا : ٥٣).
المسألة الثانية : في الآية سؤال وهو أن كل أحد يعلم أن كل من كذب الله فقد عصى، فما الفائدة في قوله :﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴾ ؟
والجواب : كذب بالقلب واللسان، وعصى بأن أظهر التمرد والتجبر.
المسألة الثالثة : هذا الذي وصفه الله تعالى به من التكذيب والمعصية مغاير لما كان حاصلاً قبل ذلك، لأن تكذيبه لموسى عليها لسلام وقد دعاه وأظهر هذه المعجزة. يوفى على ما تقدم من التكذيب ومعصيته بترك القبول منه، والحال هذه مخالفة لمعصيته من قبل ذلك.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٤١
٤٢
وثانيها : قوله :﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ﴾ وفيه وجوه أحدها : أنه لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسعى يسرع في مشيه، قال الحسن كان رجلاً طياشاً خفيفاً وثانيها : تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته وثالثها : أن يكون المعنى، ثم أقبل يسعى، كما يقال : فلان أقبل يفعل كذا، بمعنى أنشأ يفعل، فوضع أدبر فوضع أقبل لئلا يوصف بالإقبال.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٤٢
٤٢
وثالثها : قوله :﴿فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى ﴾ فحشر فجمع السحرة كقوله :﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى الْمَدَآاـاِنِ حَـاشِرِينَ﴾ (الشعراء : ٥٣) فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه، أو أمر منادياً فنادى في الناس بذلك، وقيل قام فيهم خطيباً فقال تلك الكلمة، وعن ابن عباس كلمته الأولى :﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرِى﴾ (القصص : ٣٨) والآخرة :﴿أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى ﴾.
واعلم أنا بينا في سورة (طه) أنه لا يجوز أن يعتقد الإنسان في نفسه كونه خالقاً للسموات والأرض والجبال والنبات والحيوان والإنسان، فإن العلم بفساد ذلك ضروري، فمن تشكك فيه كان مجنوناً، ولو كان مجنوناً لما جاز من الله بعثة الأنبياء والرسل إليه، بل الرجل كان دهرياً منكراً للصانع والحشر والنشر، وكان يقول ليس لأحد عليكم أمر ولا نهي إلا لي، فأنا ربكم بمعنى مربيكم والمحسن إليكم، وليس للعالم إله حتى يكون له عليكم أمر ونهي، أو يبعث إليكم رسولاً، قال القاضي : وقد كان الأليق به بعد ظهور خزيه عند انقلاب العصا حية، أن لا يقول هذا القول. لأن عند ظهور الذلة والعجز، كيف يليق أن يقول :﴿أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى ﴾ فدلت هذه الآية على أنه في ذلك الوقت صار كالمعتوه الذي لا يدري ما يقول.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٤٢
٤٢
واعلم أنه تعالى لما حكى عنه أفعاله وأقواله أتبعه بما عامله به وهو قوله تعالى :﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالاولَى ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : ذكروا في نصب نكال وجهين الأول : قال الزجاج : إنه مصدر مؤكد لأن معنى أخذه الله، نكل الله به، نكال الآخرة والأولى. لأن أخذه ونكله متقاربان، وهو كما يقال : أدعه تركاً شديداً لأن أدعه وأتركه سواء، ونظيره قوله :﴿إِنَّ أَخْذَه ا أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (هود : ١٠٢)، الثاني : قال الفراء : يريد أخذه الله أخذاً نكالاً للآخرة والأولى، والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم.


الصفحة التالية
Icon