ثم قال تعالى :﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾ واحتج بهذه الآية من فضل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلّم فقال : إنك إذا وازنت بين قوله :﴿إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِى قُوَّةٍ عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ (التكوير : ٢١، ١٩) وبين قوله :﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ﴾ ظهر التفاوت العظيم :﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ بِالافُقِ الْمُبِينِ﴾ يعني حيث تطلع الشمس في قول الجميع، وهذا مفسر في سورة النجم ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ أي وما محمد :(على الغيب بظنين)} والغيب ههنا القرآن وما فيه من الأنباء والقصص والظنين المتهم يقال : ظننت زيدا في معنى اتهمته، وليس من الظن الذي يتعدى إلى مفعولين، والمعنى ما محمد على القرآن بمتهم أي هو ثقة فيما يؤدي عن الله، ومن قرأ بالضاد فهو من البخل يقال ضننت به أضن أي بخلت، والمعنى ليس ببخيل فيما أنزل الله، قال الفراء : يأتيه غيب السماء، وهو شيء نفيس فلا يبخل به عليكم، وقال أبو علي الفارسي : المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلواناً، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لوجهين : أحدهما : أن الكفار لم يبخلوه، وإنما اتهموه فنفي التهمة أولى من نضي البخل وثانيها : قوله : والغيب ههنا القرآن وما فيه من الأنباء والقصص والظنين المتهم يقال : ظننت زيدا في معنى اتهمته، وليس من الظن الذي يتعدى إلى مفعولين، والمعنى ما محمد على القرآن بمتهم أي هو ثقة فيما يؤدي عن الله، ومن قرأ بالضاد فهو من البخل يقال ضننت به أضن أي بخلت، والمعنى ليس ببخيل فيما أنزل الله، قال الفراء : يأتيه غيب السماء، وهو شيء نفيس فلا يبخل به عليكم، وقال أبو علي الفارسي : المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلواناً، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لوجهين : أحدهما : أن الكفار لم يبخلوه، وإنما اتهموه فنفي التهمة أولى من نضي البخل وثانيها : قوله :﴿عَلَى الْغَيْبِ﴾ ولو كان المراد البخل لقال بالغيب لأنه يقال : فلان ضنين بكذا وقلما يقال على كذا.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧١
٧١
ثم قال تعالى :﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ﴾ كان أهل مكة يقولون : إن هذا القرآن يجيء به شيطان فيلقيه على لسانه، فنفى الله ذلك، فإن قيل القول بصحة النبوة موقوف على نفي هذا الاحتمال، فكيف يمكن نفي هذا الاحتمال بالدليل السمعي ؟
﴿قُلْنَا﴾ بينا أن على القول بالصرفة لا تتوقف صحة النبوة على نفي هذا الاحتمال، فلا جرم يمكن نفي هذا الاحتمال بالدليل السمعي.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧١
٧١
ثم قال تعالى :﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ وهذا استضلال لهم يقال لتارك الجادة اعتسافاً، أين تذهب ؟
مثلت حالهم بحالة في تركهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل، والمعنى أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم، قال الفراء : العرب تقول إلى أين تذهب وأين تذهب، وتقول ذهبت الشام وانطلقت السوق، واحتج أهل الاعتزال بهذه الآية وجهه ظاهر.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧١
٧٢
ثم بين أن القرآن ما هو، فقال :﴿إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ﴾ أي هو بيان وهداية للخلق أجمعين.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧٢
٧٢
ثم قال :﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ﴾ وهو بدل من العالمين، والتقدير : إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم، وفائدة هذا الإبدال أن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر، فكأنه لم يوعظ به غيرهم، والمعنى أن القرآن إنما ينتفع به من شاء أن يستقيم، ثم بين أن مشيئة الاستقامة موقوفة على مشيئة الله.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧٢
٧٤
أي إلا أن يشاء الله تعالى أن يعطيه تلك المشيئة، لأن فعل تلك المشيئة صفة محدثة فلا بد في حدوثها من مشيئة أخرى فيظهر من مجموع هذه الآيات أن فعل الاستقامة موقوف على إرادة الاستقامة. وهذه الإرادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الإرادة، والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء، فأفعال العباد في طرفي ثبوتها وانتفائها، موقوفة على مشيئة الله وهذا هو قول أصحابنا، وقول بعض المعتزلة إن هذه الآية مخصوصة بمشيئة القهر والإلجاء ضعيف لأنا بينا أن المشيئة الاختيارية شيء حادث، فلا بد له من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها إيجادها، وحينئذ يعود الإلزام، والله أعلم بالصواب.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٧٤
٧٧


الصفحة التالية
Icon