فبنى غير على الفتح لما أضيف إلى قوله إن نطقت، قال الواحدي : والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح إنما يجوز عند الخليل وسيبويه، إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي، نحو قولك على حين عاتبت، أما مع الفعل المستقبل، فلا يجوز البناء عندهم، ويجوز ذلك في قول الكوفيين، وقد ذكرنا هذه المسألة عند قوله :﴿هَاذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾ (المائدة : ١١٩) ورابعها : ما ذكره أبو علي وهو أن اليوم لما جرا في أكثر الأمر ظرفاً ترك على حالة الأكثرية، والدليل عليه إجماع القراء والعرب في قوله :﴿مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَالِكَ ﴾ (الأعراف : ١٦٨) ولا يرفع ذلك أحد. ومما يقوي النصب قوله :﴿وَمَآ أَدْرَا كَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ﴾ (القارعة : ٤، ٣) وقوله :﴿يَسْاَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ (الذاريات : ١٣، ١٢) فالنصب في ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ﴾ مثل هذا.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٨٤
المسألة الرابعة : تمسكوا في نفي الشفاعة للعصاة بقوله :﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْاًا ﴾ وهو كقوله تعالى :﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا﴾ (البقرة : ٤٨) والجواب : عنه قد تقدم في سورة البقرة.
المسألة الخامسة : أن أهل الدنيا كانوا يتغلبون على الملك ويعين بعضهم بعضاً في أمور، ويحمي بعضهم بعضاً، فإذا كان يوم القيامة بطل ملك بنى الدنيا وزالت رياستهم، فلا يحمي أحد أحداً، ولا يغني أحد عن أحد، ولا يتغلب أحد على ملك، ونظيره قوله :﴿وَالامْرُ يَوْمَا ِذٍ لِّلَّهِ﴾ وقوله :﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة : ٤) وهو وعيد عظيم من حيث إنه عرفهم أنه لا يغني عنهم إلا البر والطاعة يومئذ دون سائر ما كان قد يغني عنهم في الدنيا من مال وولد وأعوان وشفعاء. قال الواحدي : والمعنى أن الله تعالى لم يملك في ذلك اليوم أحداً شيئاً من الأمور، كما ملكهم في دار الدنيا. قال الواسطي : في قوله :﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْاًا ﴾ إشارة إلى فناء غير الله تعالى، وهناك تذهب الرسالات والكلمات والغايات، فمن كانت صفته في الدنيا كذلك كانت دنياه أخراه.
وأما قوله :﴿وَالامْرُ يَوْمَا ِذٍ لِّلَّهِ﴾ فهو إشارة إلى أن البقاء والوجود لله، والأمر كذلك في الأزل وفي اليوم وفي الآخرة، ولم يتغير من حال إلى حال، فالتفاوت عائد إلى أحوال الناظر، لا إلى أحوال المنظور إليه، فالكاملون لا تتفاوت أحوالهم بحسب تفاوت الأوقات، كما قال : لو كشف / الغطاء ما ازددت يقيناً، وكحارثة لما أخبر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلّم يقول :"كأني أنظر وكأني وكأني" والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ٨٤
٨٥


الصفحة التالية
Icon