المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية في مسألة خلق الأفعال فقالوا : لا شك أنه تعالى يريد الإيمان فوجب أن يكون فاعلاً للإيمان بمقتضى هذه الآية وإذا كان فاعلاً للإيمان وجب أن يكون فاعلاً للكفر ضرورة أنه لا قائل بالفرق، قال القاضي : ولا يمكن أن يستدل بذلك على أن ما يريده الله تعالى من طاعة الخلق لا بد من أن يقع لأن قوله تعالى :﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ لا يتناول إلا ما إذا وقع كان فعله دون ما إذا وقع لم يكن فعلاً له هذه ألفاظ القاضي ولا يخفي ضعفها.
المسألة الرابعة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى لا يجب لأحد من المكلفين عليه شيء ألبتة، وهو ضعيف لأن الآية دالة على أنه يفعل ما يريد، فلم قلتم : إنه يريد أن لا يعطي الثواب.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١١٧
المسألة الخامسة : قال القفال : فعال لما يريد على ما يراه لا يعترض عليه معترض ولا يغلبه غالب، فهو يدخل أولياءه الجنة لا يمنعه منه مانع، ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر، ويمهل العصاء على ما يشاء إلى أن يجازيهم ويعاجل بعضهم العقوبة إذا شاء ويعذب من شاء منهم / في الدنيا وفي الآخرة يفعل من هذه الأشياء ومن غيرهما ما يريد.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١١٧
١١٩
اعلم أنه تعالى لما بين حال أصحاب الأخدود في تأذي المؤمنين بالكفار، بين أن الذين كانوا قبلهم كانوا أيضاً كذلك، واعلم أن فرعون وثمود بدل من الجنود، وأراد بفرعون إياه وقومه كما في قوله من فرعون وملئهم وثمود، كانوا في بلاد العرب، وقصتهم عندهم مشهورة فذكر تعالى من المتأخرين فرعون، ومن المتقدمين ثمود، والمقصود بيان أن حال المؤمنين مع الكفار في جميع الأزمنة مستمرة على هذا النهج، وهذا هو المراد من قوله :﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى تَكْذِيبٍ﴾ ولما طيب قلب الرسول عليه السلام بحكاية أحوال الأولين في هذا الباب سلاه بعد ذلك من وجه آخر، وهو قوله :﴿وَاللَّهُ مِن وَرَآا ِهِم مُّحِيطُ ﴾ وفيه وجوه أحدها : أن المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحوزته، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه فسد عليه مسلكه، فلا يجد مهرباً يقول تعالى : فهو كذا في قبضتي وأنا قادر على إهلاكهم ومعاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك فلا تجزع من تكذيبهم إياك، فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم وثانيها : أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم كقول تعالى :﴿وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ﴾ (الفتح : ٢١) وقوله :﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾ (الإسراء : ٦٠) وقوله :﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ (يونس : ٢٢) فهذا كله عبارة عن مشارفة الهلاك، يقول : فهؤلاء في تكذيبك قد شارفوا الهلاك وثالثها : أن يكون المراد والله محيط بأعمالهم، أي عالم بها، فهو مرصد بعقابهم عليها، ثم إنه تعالى سلى رسوله بعد ذلك بوجه ثالث، وهو قوله :﴿بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تعلق هذا بما قبله، هو أن هذا القرآن مجيد مصون عن التغير والتبدل، فلما حكم فيه بسعادة قوم وشقاوة قوم، وبتأذي قوم من قوم، امتنع تغيره وتبدله، فوجب الرضا به، ولا شك أن هذا من أعظم موجبات التسلية.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١١٩
المسألة الثانية : قرىء :﴿بَلْ هُوَ﴾ بالإضافة، أي قرآن رب مجيد، وقرأ يحيى بن يعمر في لوح واللوح الهواء يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح المحفوظ، وقرىء محفوظ / بالرفع صفة للقرآن كما قلنا :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَه لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر : ٩).
المسألة الثالثة : أنه تعالى قال ههنا :﴿فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظ ﴾ وقال في آية أخرى :﴿إِنَّه لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾ (الواقعة : ٧٨، ٧٧) فيحتمل أن يكون الكتاب المكنون واللوح المحفوظ واحداً ثم كونه محفوظاً يحتمل أن يكون المراد كونه محفوظاً عن أن يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى :﴿لا يَمَسُّه ا إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ ويحتمل أن يكون المراد كونه محفوظاً من اطلاع الخلق عليه سوى الملائكة المقربين ويحتمل أن يكون المراد أن لا يجري عليه تغيير وتبديل.
المسألة الرابعة : قال بعض المتكلمين إن اللوح شيء يلوح للملائكة فيقرؤنه ولما كانت الأخبار والآثار واردة بذلك وجب التصديق، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١١٩
١٢١


الصفحة التالية
Icon