أحدها قوله :﴿فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ ويحتمل أن يكون المراد هو العلو في المكان، ويحتمل أن يكون المراد هو العلو في الدرجة والشرف والمنقبة، أما العلو في المكان فذاك لأن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض، قال عطاء : الدرجة مثل ما بين السماء والأرض.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٣
١٤٣
وثانيها : قوله :﴿لا تَسْمَعُ فِيهَا لَـاغِيَةً﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في قوله : لا تسمع ثلاث قراآت أحدها : قرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتاء على الخطاب لاغية بالنصب والمخاطب بهذا الخطاب، يحتمل أن يكون هو النبي صلى الله عليه وسلّم وأن يكون لا تسمع يا مخاطب فيها لاغية، وهذا يفيد السماع في الخطاب كقوله :﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ﴾ (الإنسان : ٢٠) وقوله :﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ﴾ (الإنسان : ١٩) ويحتمل أن تكون هذه التاء عائدة إلى وجوه، والمعنى لا تسمع الوجوه فيها لاغية وثانيها : قرأ نافع بالتاء المنقوطة من فوق مرفوعة على التأنيث لاغية بالرفع وثالثها : قرأ ابن كثير وأبو عمرو لا يسمع بالياء المنقوطة من تحت مضمومة على التذكير لاغية بالرفع، وذلك جائز لوجهين الأول : أن هذا الضرب من المؤنث إذا تقدم فعله. وكان بين الفعل والاسم حائل حسن التذكير، قال الشاعر :
إن امرءاً غره منكن واحدة
بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور
والثاني : أن المراد باللاغية اللغو فالتأنيث على اللفظ والتذكير على المعنى.
المسألة الثانية : لأهل اللغة في قوله :﴿لَـاغِيَةً﴾ ثلاثة أوجه أحدها : أنه يقال : لغا يلغو لغواً ولاغية، فاللاغية واللغو شيء واحد، ويتأكد هذا الوجه بقوله سبحانه :﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ (مريم : ٦٢)، وثانيها : أن يكون صفة والمعنى لا يسمع كلمة لاغية وثالثها : قال الأخفش : لاغية أي كلمة ذات لغو كما تقول : فارس ودارس لصاحب الفرس والدرع، وأما أهل التفسير فلهم وجوه أحدها : أن الجنة منزهة عن اللغو لأنها منزل جيران الله تعالى وإنما نالوها بالجد والحق لا باللغو والباطل، وهكذا كل مجلس في الدنيا شريف مكرم فإنه يكون مبرأ عن اللغو وكل ما كان أبلغ في هذا كان أكثر جلالة، هذا ما قرره القفال والثاني : قال الزجاج لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة / والثناء على الله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم والثالث : عن ابن عباس يريد لا تسمع فيها كذباً ولا بهتاناً ولا كفراً بالله ولا شتماً والرابع : قال مقاتل : لا يسمع بعضهم من بعض الحلف عند شراب كما يحلف أهل الدنيا إذا شربوا الخمر وأحسن الوجوه ما قرره القفال الخامس : قال القاضي : اللغو ما لا فائدة فيه، فالله تعالى نفى عنهم ذلك ويندرج فيه ما يؤذي سامعه على طريق الأولى.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٣
١٤٣
الصفة الثالثة للجنة : قوله تعالى :﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ قال صاحب الكشاف : يريد عيوناً في غاية الكثرة كقوله :﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ (التكوير : ١٤) قال القفال : فيها عين شراب جارية على وجه الأرض في غير أخدود وتجري لهم كما أرادوا، قال الكلبي : لا أدري بماء أو غيره.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٣
١٤٣
الصفة الرابعة : قوله تعالى :﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾ أي عالية في الهواء وذلك لأجل أن يرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما أعطاه ربه في الجنة من النعيم والملك، وقال خارجة بن مصعب : بلغنا أنها بعضها فوق بعض فيرتفع ما شاء الله فإذا جاء ولي الله ليجلس عليها تطامنت له فإذا استوى عليها ارتفعت إلى حيث شاء الله، والأول أولى، وإن كان الثاني أيضاً غير ممتنع لأن ذلك بما كان أعظم في سرور المكلف، قال ابن عباس : هي سرر ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة في السماء.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٣
١٤٥
الصفة الخامسة : قوله تعالى :﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ﴾ الأكواب الكيزان التي لا عرى لها قال قتادة : فهي دون الأباريق. وفي قوله :﴿مَّوْضُوعَةٌ﴾ وجوه أحدها : أنها معدة لأهلها كالرجل يلتمس من الرجل شيئاً فيقول هو ههنا موضوع بمعنى معد وثانيها : موضوعة على حافاة العيون الجارية كلما أرادوا الشرب وجدوها مملوءة من الشرب وثالثها : موضوعة بين أيديهم لاستحسانهم إياها بسبب كونها من ذهب أو فضة أو من جوهر، وتلذذهم بالشراب منها ورابعها : أن يكون المراد موضوعة عن حد الكبر أي هي أوساط بين الصغر والكبر كقوله :﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا﴾.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٥
١٤٥
الصفة السادسة : قوله تعالى :﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾. النمارق هي الوسائد في قول الجميع واحدها نمرقة بضم النون، وزاد الفراء سماعاً عن العرب نمرقة بكسر النون، قال الكلبي : وسائد مصفوفة بعضها إلى جانب بعض أينما أراد أن يجلس جلس على واحدة واستند إلى أخرى.
جزء : ٣١ رقم الصفحة : ١٤٥
١٤٥


الصفحة التالية
Icon